في لحظة تتقاطع فيها الذاكرة الشعبية مع الحراك الثقافي الوطني، تستضيف محافظة الزلفي فعاليات مهرجان الحِرفة الدولي خلال الفترة من 1 إلى 8 مايو المقبل، بتنظيم من جمعية التراث والوثائق والحرف بمنطقة الرياض، وبموافقة من وزارة الثقافة والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وذلك ضمن الأنشطة المصاحبة لإعلان عام 2025 عامًا للحرف اليدوية في المملكة. ويهدف المهرجان إلى إبراز الحِرفة اليدوية بوصفها موردًا ثقافيًا واقتصاديًا، وجسرًا يربط الأجيال بقيم الهوية، والتراث، والعمل، حيث اجتمع فيه نخبة من الباحثين والمثقفين والأكاديميين، لتقديم أوراق علمية تناقش الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية للحِرَف التقليدية في مختلف مناطق المملكة. وأوضح المشرف العام على المهرجان، الأستاذ الدكتور صالح بن أحمد العليوي، رئيس مجلس إدارة الجمعية وأستاذ البلاغة والنقد بجامعة شقراء، أن المهرجان يأتي دعمًا لمكانة الحرفة كمصدر للرزق والوعي والهوية، وانسجامًا مع توجهات رؤية السعودية 2030 في إعادة الاعتبار للتراث، وربطه بالتنمية المستدامة، مشيرًا إلى أن المهرجان يعكس ثراء منطقة الرياض بالحِرَف والصناعات اليدوية ومظاهر التراث المعماري والشعبي. وقدّم الأستاذ صالح العوض ورقة افتتاحية بعنوان "التكافل الحرفي في المجتمع السعودي قبل استقدام العمالة الوافدة"، تناول فيها دور الحرفة في بناء الروابط الاجتماعية. وتناول الدكتور عبدالله السلمي الحِرَف في قبائل الحجاز، منوهًا بدور المرأة في الصناعات النسيجية والبيئية. أما الدكتور نايف المهيلب فاستعرض في ورقته "أضواء على حِرف الأنبياء" البعد الرمزي للعمل اليدوي في التراث الديني، داعيًا إلى إعادة دمجه في الخطاب المجتمعي. ومن الجنوب، وثّق الدكتور ظافر العمري فنون البناء الحجري في رجال الحجر، وركّز الدكتور عبداللطيف الحميد على التراث العمراني بالرياض، فيما تناول الدكتور محمد الربيع الجهد المعجمي والتوثيقي للشيخ سعد بن جنيدل في معجم التراث الشعبي. أما الأديب محمد القشعمي فاستعاد مشاهد ثقافية من الزلفي قبل سبعة عقود، وربط الدكتور سليمان الذييب المظاهر الحرفية بالاستيطان والموارد الطبيعية، وتحدث الدكتور حمد الدخيل عن استخدام خشب الأثل في النجارة المحلية. وختامًا، قدّم الأستاذ راشد الخنيني ورقة عن وادي مرخ بوصفه فضاءً حرفيًا وشعريًا. وإلى جانب المحور العلمي، يحتضن المهرجان عددًا من المعارض والفعاليات المصاحبة بمشاركة حرفيين من دول الخليج والدول العربية والصديقة، إلى جانب عروض تراثية، وأزياء شعبية، وورش عمل ومسابقات، فضلاً عن عروض السيارات الكلاسيكية بالتعاون مع الاتحاد السعودي للسيارات، وأركان مخصصة للأطفال ومنتجات الأسر المنتجة. وأشار الدكتور العليوي إلى أن المهرجان يسعى إلى خلق بيئة تعليمية وتدريبية متكاملة تدعم العاملين في مجالات الحرف والوثائق، وتعزز التعاون بين المهتمين بالتراث، وتمكّن الجيل الجديد من مواصلة المسيرة بأسس معرفية ومهنية حديثة. في عامٍ أعلنت فيه المملكة 2025 عامًا للحرف اليدوية، لا يُقدَّم هذا المهرجان كحدث احتفائي فحسب، بل كمشروع ثقافي متكامل يعيد رسم موقع الحرفة في الحياة السعودية، باعتبارها جزءًا من ذاكرة المكان، وأحد روافد المستقبل. د. صالح بن أحمد العليوي