تعد فئة الشباب من أهم الفئات العمرية في جميع المجتمعات، ولها أهمية استراتيجية كبرى، خاصة في سياق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي المملكة العربية السعودية، برزت أهمية هذه الفئة بشكل خاص، نظراً للتركيبة السكانية الشابة والدعم الكبير الذي توجهه رؤية 2030 في تمكين الشباب، إدراكاً منها لأهمية هذه الفئة وباعتبارها قوة دافعة للتنمية، حيث يمثل الشباب نسبة كبيرة من السكان تتراوح أعمار معظمهم بين 15 و 34 عاماً، ما يجعلهم قوة بشرية ضخمة يمكن الاستفادة منها في سوق العمل، بطاقاتهم العالية وقدرتهم على التعلم والتكيف مع التكنولوجيا التي تجعلهم محركاً رئيساً للاقتصاد الرقمي والابتكار. كما تعول رؤية 2030 على الشباب لقيادة مشروات التحول الوطني في مختلف القطاعات مثل، السياحة، التقنية، والطاقة المتجددة. مستقبل الاستقرار وبصورة نموذجية شهدت مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل تطوراً ملحوظاً وبارزاً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة برؤية المملكة 2030 التي تهدف الى تمكين الشباب و تمكين المرأة بشكل خاص وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتظهر البيانات أن الفئات العمرية الشابة تمثل النسبة الأكبر من النساء السعوديات، حيث بلغ عدد النساء في الفئة العمرية 15 – 19 عاما حوالي 916،439، وفي الفئة العمرية 20 – 24 عاما حوالي 850،780، مما يشير الى قاعدة شبابية واعدة في سوق العمل. إضافة الى ذلك، تقوم المرأة السعودية بأدوار متعددة وكثيرة تبدأ من إطار الأسرة وصولا الى دورها الاجتماعي والاقتصادي في وطنها، ومع ذلك، تعددت نجاحاتها وبرزت، حتى وصل تأثير دورها الى ابعاد تنموية مهمة وفعالة. خاصة مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تقودها رؤية 2030، استطاعت المرأة السعودية ان تثبت وجودها في مجالات لطالما كانت مغلقة امامها، بل وتتفوق في بعضها، وبدأ هذا التطور في عام 2018، حيث شهدت المملكة حدثا تاريخيا برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، هذا القرار لم يكن محرد فتح باب للتنقل، بل كان تمهيدا لدخول النساء عالم النقل والسباقات، حيث برزت أسماء سعوديات في سباقات "الرالي"، والعمل في تطبيقات النقل كقائدات محترفات. على خطى التغيير كما ان انضمام المرأة الى القوى العاملة يزيد من الناتج المحلي الإجمالي ويعزز الإنتاجية، وأصبحت جزءا أساسيا في قطاعات متعددة، كالتعليم والصحة والبنوك والتقنية والقطاعات الحكومية، كما يساهم دخولها في سوق العمل الى تنويع دخل الاسرة ويقلل الاعتماد على مصدر دخل واحد، حيث يساعد هذا الانخراط في تقليل مستويات الفقر ورفع مستوى المعيشة. وتمكينها اقتصادياً يعد حجر الأساس لتمكينها اجتماعيا وسياسيا. من الجدير بالذكر أيضا، ان رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وضعت تمكين المرأة كأحد أهدافها الرئيسية، وتسعى لرفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أكثر من 30 ٪، ومن خلال هذه الرؤية الثاقبة تم الغاء العديد من القيود السابقة، التي كانت تشكل عائقا في مسيرة المرأة ومشاركتها، مما أتاح للنساء العمل في مجالات كانت حكرا على الرجال فقط، بينما هي اليوم متاحة للجنسين على حد سواء دون تحيز او تفرقة، مثل قيادة السيارة، والعمل في السلك العسكري والأمني في العديد من قطاعاته مثل؛ الامن العام، الجوازات، الحرس الملكي، والمرور. كما تشكل المرأة السعودية اليوم حيزاً مهماً في المهن القانونية والقضائية وتعمل كمستشارة قانونية، ومحامية، وفي قطاع الطيران أيضا تعمل كمضيفة طيران ومهندسة طيران، اما في القطاع الصناعي والطاقة نجحت المرأة في دورها بالمصانع ومصافي النفط وحتى في مشاريع الطاقة المتجددة ضمن نيوم و أرامكو. وفي قطاع السياحة برز دورها كمرشدة سياحية ناجحة وملهمة. المرأة السعودية اليوم لم تكتفي بكسر القيود، بل بدأت تصنع بصمتها الخاصة في ميادين لم تكن تتوقعها، وبين التحديات والفرص، يبرز تمكين المرأة كخطوة حاسمة في بناء مستقبل اكثر شمولا وتوازنا في مستقبل المملكة العربية السعودية. حماية قانونية وتمكين عملي غير أنها دعمت دخولها لسوق العمل، وضمن جهودها نحو تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في سوق العمل، اولت الأنظمة العمالية السعودية اهتماما كبيرا بحقوق المرأة العاملة، سواء من حيث المساواة، الحماية، او تهيئة بيئة العمل المناسبة. ووضعت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مجموعة من السياسات والتشريعات التي تضمن بيئة عمل عادلة وامنة، ففي المساواة والأجور يمنع التمييز في التوظيف او الترقية او التدريب المهني على أساس الجنس، كما تستحق المرأة العاملة إجازة وضع مدفوعة الاجر لمدة 10 أسابيع (4 أسابيع قبل الولادة، و6 بعدها)، مع إمكانية تمديد الاجازة شهرا إضافيا بدون اجر. ومن المهم انه خلال تلقيها هذه الاجازة، لا يجوز فصلها من العمل، ولها الحق في العودة الى وظيفتها الاصلية. ويحق لها إجازة مدتها 5 أيام للزواج، واجازة في حالة وفاة الزوج او احد الأقارب، وتمنح المرأة المرضعة ساعة يوميا مدفوعة الاجر خلال سنة من ولادة الطفل، لتخصيصها للرضاعة او العناية بالمولود، ولا يجوز فصل المرأة العاملة اثناء حملها او خلال إجازة الوضع، او بسبب تغيبها في تلك الفترة، وفقا لنظام العمل، الفصل بسبب الزواج او الحمل يعد مخالفا صريحا للنظام. وتلزم الأنظمة أصحاب العمل بتوفير بيئة مناسبة للمرأة، تشمل مكان منفصل اذا اقتضى الامر، إجراءات لحمايتها من التحرش، الية تقديم الشكاوى بسرية تامة. كما لا يجوز لأي جهة ان تشترط موافقة ولي الامر كشرط لتوظيف المرأة او استمرارها في العمل، وذلك حسب تعميمات وزارة الموارد البشرية. استنادا الى ما سبق فإن حقوق المرأة العاملة في السعودية لم تعد مجرد نصوص قانونية، بل أصبحت ممارسة فعلية على ارض الواقع، مدعومة برقابة وتشريعات حديثة، ووعي متزايد من مؤسسات القطاعين العام والخاص. وتسهم هذه الحقوق في تعزيز استقرارها المهني، وتشجع المزيد من النساء على دخول سوق العمل بثقة وأمان. مرحلة جديدة من التمكين مع تسارع خطوات الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في المملكة، يبدو مستقبل مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل واعدا اكثر من أي وقت مضى. فالاتجاهات الحالية، المدعومة برؤية 2030، تشير الى مرحلة جديدة من التمكين الحقيقي، لا تقتصر فقط على دخول المرأة الى السوق، بل تتجه نحو تعزيز تأثيرها في مراكز اتخاذ القرار، وزيادة الابتكار، وصناعة التغيير. ومن المتوقع ان نشهد في السنوات القادمة زيادة ملحوظة في عدد النساء في القطاعات النوعية، مثل الذكاء الاصطناعي، الامن السيبراني، الطاقة المتجددة، وريادة الاعمال التقنية، وهي مجالات كانت حتى وقت قريب حكرا على الرجال. هذه الطفرة تعززها مبادرات حكومية وخاصة، تشمل التدريب النوعي، وبرامج الابتعاث وحاضنات الاعمال المخصصة للمرأة. كما يتوقع ان تشهد نسب تمثيل المرأة في المناصب القيادية والهيئات الإدارية ارتفاعا تدريجيا، خاصة بعد النجاحات التي حققتها نساء سعوديات في إدارة شركات كبرى ومؤسسات مالية. وهذا يتماشى مع التوجهات العالمية التي تظهر ان وجود النساء في مواقع القيادة يسهم في تحسين الأداء المؤسسي وتعزيز الابتكار واتخاذ قرارات أكثر توازناً. من جهة أخرى، ينتظر ان تعيد المؤسسات السعودية النظر في سياسات العمل المرن، ورعاية الام العاملة، والتوازن بين الحياة المهنية والاسرية، بما يخلق بيئة عمل اكثر جاذبية للنساء، ويزيد من استمراريتهن في السوق. وهذا بدوره سيقلل من تسرب الكفاءات النسائية، وسيرفع نسبة التوظيف على المدى البعيد. ويمكن القول ان المرأة السعودية لم تعد فقط جزءا من سوق العمل، بل باتت ركيزة أساسية في تطوره وتقدمه، ومع استمرار الدعم والتطوير، من المتوقع أن تتحول السعودية إلى نموذج إقليمي في تمكين المرأة.