تخيل لو أن أحداً قطع شريان التكنولوجيا عنك فجأة، فما الذي ستفعله؟ هذا ما يحدث الآن مع الولاياتالمتحدة، فالصين، صاحبة الاحتكار شبه الكامل للمعادن النادرة، قررت التضييق على الولاياتالمتحدة، بإيقاف تصدير هذه المعادن، وهي رسالة واضحة لإدارة ترمب: "نحن نتحكم بالشريان، ونستطيع تعطيله متى شئنا"، وحتى نقدر حجم المخاطر، فإن هذه المعادن تعد اليوم عصب الاقتصاد الحديث، فمن صناعة الصواريخ الأسرع من الصوت، إلى توربينات الرياح، ومن طائرات إف-35، إلى الهواتف الذكية، ومن السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات إلى الأقمار الصناعية، ونظراً للاعتماد الأميركي المفرط على المعادن الصينية، فإن تداعيات القرار ظهرت سريعاً في واشنطن، وانعكس ذلك على لهجة ترمب المتشددة إزاء الصين. هنا، تبدو إدارة ترمب في مأزق حقيقي إزاء الهيمنة الصينية على هذا القطاع الاستثنائي، فالبرغم من أن الإنتاج الأميركي من مُركز أكسيد المعادن النادرة بلغ 45 ألف طن في عام 2024، إلا أن الفجوة بين الإنتاج والاحتياجات لا تزال هائلة، فما يتم تكريره من معادن نادرة لا يتجاوز 1300 طن، بينما يصل الطلب الأميركي إلى 6600 طن سنويًا، مما يجعلها معتمدة بشكل كبير على الاستيراد، وخصوصاً من الصين التي تسيطر على 80 % من واردات الولاياتالمتحدة من هذه المعادن، والواقع، أن هناك محاولات أميركية متواضعة للاعتماد على نفسها في مجال المعادن النادرة، لكنها لا تزال في بدايتها، ففي الوقت الحالي، تُعد "إم بي ماتيريالز" في كاليفورنيا الشركة الوحيدة التي تستثمر في إنتاج المعادن النادرة في الولاياتالمتحدة، ومع ذلك، فإن إنتاج 1300 طن متري فقط من المعادن النادرة المكررة سنويًا يتطلب استثمارًا هائلاً بقيمة ملياري دولار. بتقديري، فإن استغناء أميركا التام عن المعادن النادرة الأجنبية، يتطلب استثمارات بقيمة 15 مليار دولار، وهذا التقدير يستند إلى بيانات العمليات القائمة بالفعل، سواء في المنجم الأميركي الوحيد "ماونتن باس" في صحراء كاليفورنيا، أو المنشآت الناشئة المدعومة من وزارة الدفاع الأميركية في ولاية تكساس، ولوضع هذا الرقم في سياقه، فإننا لا نعتقد أنه رقم معرقل، لأن الحكومة الفيدرالية تنفق ضعف هذا المبلغ بشكل سنوي على المساعدات الخارجية، والأمر يتطلب بناء مصانع فصل، وخطوط إنتاج سبائك، ومصانع مغناطيس، وهذه استثمارات رأسمالية تنفق لمرة واحدة وتدر عوائد كبيرة على مدى عقود، ويبدو لي أن العائق الوحيد أمام ضخ مثل هذه الاستثمارات هو مدى توافر الإرادة السياسية، وتخفيف لوائح التنظيم البيئي المفرط. من المتوقع أن يؤدي استخدام الصين لسلاح المعادن النادرة، إلى تسريع تبني ترمب لمشروع مانهاتن للمعادن النادرة، وتفعيل قانون الإنتاج الدفاعي لتبسيط إجراءات التصاريح، وتعليق الحواجز البيئية، وتطوير البنية التحتية الحيوية، وإعادة بناء سلاسل توريد المعادن النادرة، وباعتقادي، فإن معركة المعادن النادرة هي رأس الحربة في المباراة الحالية بين أميركا والصين، ومن يحرز سيفوز، وبدون الوصول إلى هذه المعادن، ستضعف قدرة واشنطن على إنتاج أسلحة متطورة وأقمار صناعية وتنفيذ بنية تحتية للطاقة، وسوف يتضاءل نفوذها الجيوسياسي، وفي الوقت الحالي، لا يمكن للولايات المتحدة مقارعة الصين، حيث تنتج بكين 60 % من الإمدادات العالمية، وتعالج 90 % منها، ومع ذلك، إذا بدأت واشنطن في ضخ الاستثمارات المطلوبة، فستتمكن، في غضون 10 سنوات، من إنتاج جميع المعادن النادرة.