كان الإعلام في الماضي يملي على جمهوره جدولًا محددًا لمواعيد النشرة الإخبارية عند التاسعة مساء، وحوارًا مباشرًا لا يُعاد بثه إطلاقًا لمن فاته، وكان الجمهور مجرد متلقٍ لا يملك إلا أن يشاهد بصمت بدون أي تفاعل، وكانت المباريات تنقل بمعلق وحيد وبدون إحصائيات. أما اليوم، فقد انقلب المشهد رأسًا على عقب، لم يعد الإعلام ينتظر لحظة البث، بل أصبح اللحظة نفسها بفضل تقنيات البث المباشر، فأصبح الحدث يُنقل من الشارع إلى الشاشات لحظة وقوعه، وأصبح كل فرد قادرًا على أن يكون مراسلًا ومصدرًا وصانع محتوى في آنٍ واحد، هذه التقنيات لم تغيّر فقط أدوات الإعلام، بل غيّرت جوهره، وفرضت نمطًا جديدًا من التفاعل والمصداقية والسرعة غير المسبوقة، في وقتٍ بات فيه كل حدث قابلًا لأن يُشاهد ويُعلق عليه في نفس الدقيقة. تشير التقارير إلى أن سوق البث المباشر في السعودية بلغ إيراداته 4.4 مليارات دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 16.2 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 20.4 % ، هذا النمو يعكس التغير في تفضيلات الجمهور السعودي، الذي أصبح أكثر اعتمادًا على المنصات الرقمية للحصول على المحتوى. منصة "شاهد" التابعة لمجموعة MBC تُعد مثالًا بارزًا على هذا التحول، فقد ارتفع عدد مشتركيها في خدمة الفيديو حسب الطلب (SVOD) إلى 4.8 ملايين مشترك في الربع الثالث من عام 2024، بزيادة قدرها 22.2 % مقارنة بالعام السابق، كما بلغ عدد المستخدمين النشطين شهريًا في نموذج الإعلانات المدعومة (AVOD) 17.8 مليون مستخدم، مما يعكس تنوع استراتيجيات المنصة لتلبية احتياجات مختلف شرائح الجمهور. الاهتمام بالمحتوى المحلي أصبح أيضًا من العوامل المؤثرة في هذا التحول، فقد أظهرت دراسة أن 71 % من مستخدمي وسائل الإعلام عبر الإنترنت في المملكة شاهدوا محتوى محليًا خلال الربع الأول من عام 2024م هذا التوجه يعكس رغبة الجمهور في محتوى يعبر عن ثقافتهم وهويتهم، مما دفع المنصات إلى الاستثمار في إنتاج محتوى محلي عالي الجودة. على الصعيد العالمي، شهد سوق البث المباشر نموًا ملحوظًا، حيث بلغ حجمه 87.55 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 345 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي يبلغ 23 %، هذا النمو يعكس التغير في سلوكيات المستهلكين وتفضيلاتهم نحو المحتوى الرقمي والتفاعلي. وفي خطوة استراتيجية لتعزيز حضورها في مجال البث الرياضي، استثمرت المملكة مليار دولار في شركة DAZN، وهي منصة بث رياضي عالمية. هذا الاستثمار يشمل إنشاء مشروع مشترك للبث الرياضي في الشرق الأوسط، مما يعكس التزامها بتعزيز مكانتها في السوق الإعلامي العالمي وتوسيع نطاق بث الأحداث الرياضية. تُظهر هذه التحولات أن تقنيات البث المباشر أصبحت عنصرًا أساسيًا في إعادة تشكيل المشهد الإعلامي، حيث وفرت للجمهور محتوى فوريا وتفاعليا يتماشى مع تطلعاتهم. من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتقنيات الحديثة، وتعزيز المحتوى المحلي، وبكل حق تسير المملكة بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها في أن تكون مركزًا إعلاميًا عالميًا بالاعتماد على التقنيات والتوجهات المستقبلية.