في عمق الصحراء الجنوبية من المملكة، وتحديدًا في منطقة نجران، تقع واحدة من أندر الكنوز الثقافية في الجزيرة العربية، وهي منطقة حمى الثقافية، التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، هذه المنطقة ليست مجرد صخور صامتة، بل أرشيف مفتوح لحياة الإنسان القديم، تخلد آلاف النقوش والرسومات التي نُقشت على واجهات الجبال والصخور على مدى آلاف السنين، وتضم حمى أكثر من "550" لوحة صخرية، تمتد على مساحة واسعة تزيد عن "557" كيلومتراً مربعاً، وتحتوي على أكثر من "100" ألف نقش ورسم صخري يعود تاريخها إلى فترات متعددة من العصور الحجرية والعصر البرونزي وحتى العصر الإسلامي، ما يميز هذه النقوش هو تنوع مضامينها، فهي لا تقتصر على رموز دينية أو طقسية، بل تشمل مشاهد من الحياة اليومية، مثل الصيد، والرعي، وركوب الإبل والخيول، وأحيانًا مشاهد حروب أو طقوس اجتماعية، وتعكس هذه الرسوم والنقوش تفاعلاً عميقًا بين الإنسان وبيئته، وتظهر مدى تطور الحس الفني والتعبيري لدى سكان المنطقة عبر العصور، كما تمثل شهادات حية على مسارات التجارة القديمة التي كانت تمر عبر نجران، إذ كانت هذه المنطقة محطة مهمة في طرق القوافل بين جنوب الجزيرة وشمالها، ما جعلها مركزًا ثقافيًا تفاعليًا عبر العصور، وتولي المملكة اليوم أهمية كبرى لهذه المنطقة الفريدة، حيث تعمل هيئة التراث على توثيق ودراسة هذه النقوش بدقة علمية، إضافة إلى حمايتها من التعدي والعوامل الطبيعية، ويأتي هذا في إطار رؤية ثقافية شاملة تهدف إلى إعادة اكتشاف تراث المملكة غير المادي والمادي، وتعزيزه كمصدر للفخر الوطني، وأداة لتعزيز الهوية الثقافية، وتسجيل حمى في قائمة التراث العالمي لليونسكو لم يكن حدثًا عابرًا، بل خطوة تعكس الجهد الحثيث الذي تبذله المملكة لإبراز تراثها على الساحة العالمية، ويتوقع أن تصبح المنطقة مقصدًا رئيسيًا للسياحة الثقافية، خاصة مع ازدياد الاهتمام العالمي بالفنون الصخرية القديمة كأحد أقدم أشكال التعبير الإنساني، والنقوش الصخرية في حمى ليست مجرد رسومات عشوائية نقشت في زمن غابر، بل هي لغة بصرية تحكي عن حضارات ما قبل الكتابة، وتقدم قراءات مختلفة لعلاقة الإنسان بالحياة والمجتمع والطبيعة، إنها وثيقة فنية وتاريخية، تثبت أن أرض المملكة لم تكن يومًا فارغة، بل كانت دائمًا نابضة بالمعنى والتاريخ والثقافة. نقوش حمى نجران التاريخية نقوش تحاكي الإنسان في حمى نجران