من كتاب الباحث السعودي علي سليمان البلوي «الفنار» قرأت مساجلات بين شعراء منطقة تبوك شمال غرب المملكة في مقارنة الهجن بالسيارات في بداية دخولها للمملكة وكيف استقبلها المجتمع بذهول؛ تباينت ردود فعل الشعراء في تقبُّل هذا التغيير الذي يدخل في صميم مسيرة حياتهم؛ فامتلاك الإبل عند سكان الجزيرة مصدرا للعزة والكرامة والثراء ويسعى كل شخص أن يكون لديه - ركوب - ومن يمتلكها كمن يمتلك سيارة في وقتنا الحاضر. وعلى ظهور الإبل ازدهرت التجارة وتعددت طرقها. لكن الحياة ذات تقلُّبات لا تبقى على حال؛ فمع تقدُّم الزمان دخلت أول سيارة في حياة سكان المملكة وقابلها المجتمع باستنكار واستغراب واعتبروا أن صانعها من الجن. ولم يخطر ببالهم أن تأخذ السيارة مكان الإبل التي تخدم تنقلاتهم الصعبة منذ آلاف السنين في صحراء متنوعة التضاريس ما بين صخور ونفود وسواحل؛ وبهذا دارت المساجلات بين الشعراء منهم المؤيد للسيارة ومنهم من يؤيد الهجن كموروث. ومنهم الشاعر محمد بن جريبيع المرواني الجهني الذي فضل الهجن على السيارات مع ذكر مآثرها التي دلت على عشقه لِأصايل الإبل في قصيدته: يالله بمزن عقاب الليل ينشا به من سوق جده لين برزان يضربها أخاف هرشي تعود فيه هدابه والفطَّر الشيب تزهي عند طالبها يا راكب اللي اليا زهت مشعابه أحسن من اللي يدك الرمل شاربها من ساس هجن تكيِّف راس ركَّابه ما خانه اللي بوقت هلال ناجبها يم الردي لا بركابه ولا جابه وديرة البُعْد لا وجَّه يقرِّبها الطيب تلقاه يا مسوّيه باصحابه والا أن الأنذال خسران مصاحِبْها البزر ودِّه طعام له يسوابه بعض الأوادم تبزر من مذاهبها استنكر الشاعر محمد الجهني وكان يمتلك جمس أحمر؛ فرد عليه موضحا الفرق الشاسع في اختصار الوقت بين سرعتي الهجن والسيارة ما يجعل الفوز للسيارة على الهجن: يا راكب اللي حَمَرْ ما تو جينا به من شركة بدير يا الشاعر تعذر بها يمشي من القنْفِذة والعصر في طابة اللي ذلولك عقب حول تقربها. أصبحت السجالات تباعا من الشعراء منهم مؤيد للهجن ومنهم مؤيد للسيارات؛ ولكل منهم أسبابه التي تذكرها قصائدهم؛ ما أضطر الشاعر محمد الجهني بالرد على الشعراء وذكّرهم عن أسباب عشقه للهجن ومآثرها في حياة البدو ودورها في الحروب والحروب الإسلامية والحياة العامة؛ وانتقد سائقي السيارات لكونهم ابتعدوا عن موروث أجدادهم فالشاعر يرى أن في عشق الإبل كرامة وهيبة وأنفة وهو ما لا يراه في سائق السيارة. اليوم قمت أتطرّا القاف وارقابه هذي نغني بها وهذي نسيّبها واليوم كل يبي يضرب بمصلابه حتى الثعالب تدوَّر من يضاربها الجيش ممدوح يوم الرسل واصحابه وكم من صبي تغنَّم من مكاسبها تقول صقور إلا طارت من الابه وجيه خضر تبارك في عواقبها أحسن من اللي يبوج البعد باشنابه حْذَاه خنزير يا مكثر لوالبها مصلح في يمين وكف كتابة وفي كل يوم صاحبها يوضبها اللي اليا غرُّوه ومشْ بربابه يكسلك بالمرض والكبد يقلبها تقول غروٍ زهى بالعين هدّابه واللي طراه الشقا ضلا مراقبها استلقطت من هيام وعاف مشرابه واضحت سواة الطموح إنْ عاف ناصبها اللي اليا انه تخرّب ينخدم بابه تضيق الصدر ما ودق تراقبها وترى السواويق فيها صقور وذيابه وفيها جلوفٍ عسى ربي يخيّبها وفيها عسى الرزق عنه تصكك ابوابه وفيها عسى ربنا يهبب هبايبها اللي اليا انك نصيته يضحط حجابه لا أن الأن الانذال نا تضحك حواجبها اللي سواة الحبينة عند مركابه والدقن حقه بعد يمين يسلبها مسلبٍ لحيته ومخلّي أشنابه تقول نجمة غفل عنها مغربها رد الشاعر عواد مبارك المرواني مؤيدا ومؤازرا للشاعر محمد الجهني في سبب حبه وعشقه للإبل ومقارنته لها بالسيارة. لكنه اختلف معه على صفات السائقين وذكر أنهم كما باقِ البشر فيهم الطيب ومنهم دون ذلك ؛ واعترض على دعوته عليهم لمعرفته بأخلاق الشاعر محمد الجهني السامية: يا راكب اللي يطرب بال ركّابه اللي ليا جا به كسابِه يغربها أما السدس تايهٍ توّه طلع نابه ساقة رضاع اللبن وأمه مصاعبها أطيب من اللي تدك الرمل وترابه اللي أليا نطحته سندة يجانبها شغلها دور كلّه طق وحرابه ألين الفديس انقصم وقفت بركابها يا ابن جريبيع يا ذيبٍ ولد لابه يا شوق عسفوجة ترفع ذوايبها يا صاحبي ما حكينابه به الثابة أرعْ جميع العرب ريّحوا مكاسبها اللي ركب فوقها ودّه غرض جابه لولا التخرّب قليلة ذواربها وأما السواويق مختلفين بالجابة والطيب أرعْ الدعاوي ما يحاسبها فيهم شواهيب للقيظ لهابة وفيهم ترى خوته تشكي عواقبها وصقور تبغى اللحم وصقور هيابه وصقور من طيبها تدهن شواربها وفي مشاركة في هذا السجال الشعري أيد الشاعر متورك السناني الشاعر محمد الجهني بأفضلية الهجن على السيارات لكنه من رده نجد أنه يعي ما تحدثه تقلُّبات الزمن من تغيير واختلاف في حالات المجتمع والبشر في قصيدة: متروك لنه تورّا بالمثل جابه يبني على الهينة ماهو مصعبْبها يا راكب اللي رسنها فيه قضابة من ساس هجنا مجودة مناسبها ما هي من الوثر والنخبار منصابة غير الديرع ينسّف فوق منكبها اللي ليا شافت الفية على الغابة تقطع جويد الرسن من كف راكبها في وقتٍ الذيب ما يأكل على نابه وكل ما شاف له صيدة يجانبها والصقر من عقب ما يضرب بمخلابه اليوم الأرنب تفتِّل له شواربها والثعلب يحط في يمناه ضرابه واليا رمى له ضريبة غير يعطبها اليوم ونحن في عصر السرعة والتكنلوجيا لم تعد السيارة كقيمتها عند بداية دخولها للمملكة؛ ورويدا رويدا أخذت ذات الدور الذي قامت به الإبل على مر العصور وتعددت مع السنين أنواع المواصلات؛ وأما الهجن فلها في نفس المجتمع السعودي قيمة شعبية كبيرة يتسابقون على ذكرها للدور الكبير الذي قامت به على مدار العصور كموروث شعبي عال المستوى تُقام لها المهرجانات مثل مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل؛ كما أسس ناد من أهدافه رعاية الإبل والتعريف بها ومشاركة المهتمين وإقامة الأنشطة المختصة والمشاركة بالفعاليات الخارجية بصورة وطنية؛ وللدراسات والأبحاث؛ وأهداف أخرى تهتم بالإبل؛ تحت إشراف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ دعما للموروث الشعبي السعودي والمحافظة عليه. والله سبحانه وتعالى طلب من البشر التفكُّر بخلقهِ للإبل في سورة الغاشية آية 17 «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت». ملاحظة: ما تو: أي قبل وقت قريب جدا. حَمَرْ: تعني الأحمر باللهجة الدارجة. شركة بدير: من شركات المملكة القديمة لبيع السيارات. القنْفِذة: مدينة جنوبجدة. طابة: قرية في حايل. حذاه: أي نِعاله والمقصود العجلات. النجمة: نبات يُقلع بأداة تسمى المغراب. الإبل والسيارة الجيش ممدوح يوم الرسل وأصحابه