قبل سنوات طويلة كنت أعمل في اليابان، وكان يقود الجهة التي أعمل بها مدير يجتهد في مهامه، لكنه كان على علاقة مضطربة بنائبه، انتشرت إشاعة أن ذلك المدير سيتم استبداله بمدير جديد خلال فترة بسيطة، كاد النائب يطير فرحاً ولم يعد يستطيع أن يكتم ما في صدره من مشاعر وغل تجاه المدير. ووصل به التهور إلى الصدام العلني والتجاهل عن عمد لتوجيهات المدير الذي سيرحل عما قريب، وكانت المفاجأة باعتذار المرشح الجديد للمنصب عن تولي الإدارة بسبب ظروف عائلية طارئة، وكانت النتيجة تجديد تكليف المدير لفترة أخرى، وهنالك أُسقط في يدي النائب الذي كشف قناعه ونواياه أمام المدير ولم يبق لنفسه أي خط رجعة، ولم يمض شهر واحد إلا والنائب يغادر منصبه وعمله بعد أن طفح به الكيل ولم يعد قادراً على تحمل انتقام المدير. ذكرتني هذه القصة بالمثل الإفريقي الذي يقول: "لا تخبر التمساح أنه قبيح قبل أن تعبر النهر"، في الواقع نصيحتي هي أن لا تخبر التمساح عن شكله ولا تشتمه حتى بعد أن تعبر النهر. لا تدري متى ستحتاج إلى أن تعبر ذلك النهر مرة أخرى، ولا تدري إذا كنت ستقابل ذلك التمساح في نهر آخر أو على اليابسة، بل ولا تدري إذا سمعت التماسيح الأخرى بما قلته في ذلك التمساح وكيف ستتعامل معك حينها. ولعلنا ننتقل إلى بعد آخر وهو أنه لا ذنب للتمساح في أنه خلق بهذا الشكل، وربما يكون بشعاً ومرعباً بمعاييرنا البشرية لكنه في قمة الوسامة بمعايير فصيلة التماسيح، وفي نهاية الأمر التمساح يدافع عن حقوقه ويسعى للبقاء وليس من العدل أن نطالب منه أن يموت جوعاً لكي نقول عنه أنه حيوان أليف. ونفس الأمر ينطبق على حالات الكثير من المديرين والذين قد تلومهم وتنتقدهم على قرارات تصدر منهم. ولكن إذا تبينت الحيثيات وخلفيات تلك القرارات فستتفهم تماماً وتلتمس لهم العذر. وفي الجانب الآخر، فهذا لا يعني أبداً التسامح مع الظلم أو التجاوزات، فهنالك مديرون وقيادات قدوات كلهم رقي وشهامة وعدل وتميز في إدارتهم وتعاملهم ويسعى المرء ليكون مثلهم وعلى نهجهم. ولكي أكون صادقاً فربما لمت ذلك المدير حينها قبل سنوات طويلة على انتقامه من نائبه بعد التجديد له، ولكن الآن استطيع أن أقول إن قراره بطلب إبعاد نائبه كان صحيحاً وفي مصلحة منظومة العمل حيث لا يمكن أن تستقيم الأمور في ظل وجود شخص معارض بدون منطق مخالف لا يلتزم بالتوجيهات ويفتعل المشكلات التي تعطل العمل. وختاماً؛ ركز على عملك وسر على الصراط المستقيم واختر معاركك بعناية، وحاول ألا تخلق لك أعداء وتجنب الخصومات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً مع زملائك عموماً ومديريك خصوصاً.. حاول أن تكون موضوعياً في أحكامك فالمدير الذي تنتقده اليوم قد تضطر مستقبلاً لتلعب نفس الدور الحازم الذي يقوم به بالطبع في ظل الأنظمة بعيداً عن المخالفات أو ظلم المرؤوسين.. وباختصار شديد؛ ركز على تطوير ذاتك ولا تشتم التماسيح.