في يوم من الأيام، انقطع التيار الكهربائي أثناء جلوسي مع أبنائي، فبدؤوا يتساءلون باندهاش: كيف كان أجدادنا يعيشون بلا كهرباء؟! لم تمضِ سوى فترة قصيرة حتى شعرنا بالضيق؛ فتوقف التكييف، وتوقفت الثلاجات، وغرق البيت في ظلام دامس، مما جعلنا ندرك مدى اعتمادنا على الكهرباء في حياتنا اليومية. لكن كيف كان الحال قديمًا، حين لم تكن هناك كهرباء أصلًا؟ كيف عاش الأجداد بلا إضاءة، ولا ثلاجات، ولا مكيفات، ولا حتى وسائل الاتصال الحديثة؟ الحقيقة أني لم أعايش تلك الفترة، فقد نشأت في زمنٍ توفرت فيه الكهرباء وأصبحت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، لكن ما سمعته من آبائنا وأجدادنا يروي قصة جيلٍ استطاع التكيف مع بيئته بذكاء واستغلال الموارد الطبيعية بأفضل الطرق، وعاشوا حياة بسيطة وبيوت تتنفس الهواء، كانت منازل الأجداد تُبنى من الطين أو الحجر، مما وفر عزلًا طبيعيًا ضد حرارة الصيف وبرودة الشتاء. حرصوا على تصميمها بنوافذ واسعة تسمح بدخول الضوء الطبيعي، كما اعتمدوا على «بطن الحوي»، وهو ساحة مفتوحة داخل المنزل تضمن دخول التيارات الهوائية وتعمل كوسيلة تبريد طبيعية، والأجداد يمضون في حياتهم بالتكيف مع الطقس بلا مكيفات، ومن المؤكد لم تكن هناك مكيفات، لكن الأجداد لجؤوا إلى وسائل تبريد طبيعية، مثل: رش الماء على الجدران والأرضيات لتلطيف الجو، واستخدموا المهفات (جريد النخل) لمقاومة الحر، أما في الليالي الحارة، فكانوا ينامون على السطوح، حيث يكون الهواء ألطف، وكانوا يرشونه بالماء ليصبح أكثر برودة. كما استخدموا الزير الفخاري لتبريد الماء، وربطوا حوله الخيش للحفاظ على برودته، إلى جانب استخدام «القِرَب» المصنوعة من الجلد لحفظ المياه باردة لأطول فترة ممكنة وكذلك تخزين السمن في «العكه»، وحين يسأل الطفل أو الشاب كيف يتعايش الأجداد بلا إضاءة في المساء ويستمتعون بلا كهرباء، بسبب عدم وجود الكهرباء لم تكن هناك مصابيح كهربائية، لذا استخدم الأجداد الفوانيس (السراج) والذي يعمل على الكاز، واستعانوا بضوء القمر والنار كمصادر طبيعية للإنارة، مما جعل الليل أكثر هدوءًا وأقرب إلى الطبيعة. توفير المياه والتنقل بين المناطق كان جلب الماء يتطلب جهدًا، حيث كان يُستخرج من الآبار (القلبان)، وهي جمع «قليب»، وكانت من أهم مصادر المياه التي يعتمد عليها الناس في الشرب والري والاستخدامات اليومية. أما التنقل، فكان يعتمد على الإبل والخيول، التي كانت وسيلة أساسية للسفر والتجارة. الأكل والحفاظ على الطعام بلا ثلاجات في غياب وسائل التبريد، اعتمد الأجداد على التجفيف (القفر) والتمليح لحفظ الأطعمة لفترات طويلة، خصوصًا اللحوم. كما كانوا يحرصون على تخزين المواد الغذائية، ومن أهمها التمر، حيث كان يُضمد ويُطرق ليبقى صالحًا لفترات طويلة. كذلك استخدموا أنواعًا من الخبز القاسي مثل: قرص عمر، الذي يتحمل عوامل الوقت والأجواء القاسية، إلى جانب الاقت وغيره من الأكلات القديمة التي كانت مناسبة لتلك الفترة، ولا تحتاج إلى تبريد أو وسائل حفظ متقدمة، بل يعتمد عليها الناس في قوتهم اليومي. أما الخضار والفواكه، فكانت تؤكل طازجة من المزارع مباشرة، حيث لم يكن هناك حاجة لتخزينها أو تبريدها. كان معظم الناس يمتلكون مزارع صغيرة، ومن لم يكن لديه مزرعة، فإنه يحصل على حاجته من جاره أو يشتري ما يحتاجه من السوق بقدر الأكل اليومي، حتى لا يتلف الخضار والفواكه قبل استهلاكها. التواصل الاجتماعي بلا هواتف أو إنترنت لم تكن هناك وسائل اتصال حديثة، لكن المجالس والتجمعات اليومية كانت بمثابة وسيلة الإعلام الرئيسة، حيث يجتمع الناس لتبادل الأخبار، واتخاذ القرارات، والاستماع للحكايات والمواقف، رغم غياب الكهرباء، إلا أن الأجداد عاشوا حياة مليئة بالقناعة والبساطة، واستطاعوا التأقلم مع بيئتهم بذكاء، مما جعلهم أكثر تكيفًا مع ظروف الحياة الصعبة وأكثر ترابطًا فيما بينهم. تصميم البيوت قديماً تكيّف مع قسوة الحياة عبدالعزيز بن سليمان الحسين