لم تغفل رؤية السعودية 2030 التي تستهدف الوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر، من خلال توفير بيئة مناسبة للنمو، واستحداث فرص عمل للمواطنين، ورعاية المواهب وتنمية الاستثمارات، واغتنام الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها المملكة عن "قطاع الفضاء" الذي ينتظر أن يصبح أحد محركات النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة وأن يسهم في زيادة القدرات على الكثير من التحديات المستقبلية، فعملت ما يلزم لتوطيد البرنامج الفضائي السعودي وتمكينه لتحقيق مستهدفاته الاقتصادية التي منها الإسهام في زيادة الناتج المحلي وتوفير وظائف نوعية في قطاعات مباشرة وغير مباشرة بمجالات الفضاء والدخول بصناعات وقطاعات اقتصادية تساهم في تنويع الاقتصاد وتوفير فرص استثمارية وتشجيع القطاع الخاص للمشاركة وتوطين المعرفة ونقل التقنيات الفضائية للمملكة، وأثمر ذلك العمل الذي يتم جله بتخطيط من المجلس الأعلى للفضاء الذي يعتمد السياسات والاستراتيجيات لبرنامج الفضاء السعودي وتحت مظلتي هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، ووكالة الفضاء السعودية في تحقيق نجاحات بارزة خلال فترة وجيزة. المشاريع الفضائية وكان لوعي القيادة السعودية الرشيدة بالأهمية الاقتصادية ل"قطاع الفضاء" وما يمكن للقطاع تحقيقه من مصالح ومكاسب دور كبير في تلك النجاحات،حيث حرصت على التوسع في المشاريع الفضائية التي تدعم الاقتصاد وتعزز الإنتاجية وتعمل على خلق المزيد من الوظائف كمشاريع الاتصالات والملاحة والاستشعار، وفتحت الباب أمام زيادة الاستثمار في ذلك الجانب والتوسع في الصناعات المرتبطة به مثل صناعة الأقمار الصناعية والبرمجيات وأنظمة المعلومات وتوسعت في التعاون مع مختلف الدول المتقدمة في هذا القطاع سعيا منها لزيادة المعرفة وتوطين ونقل التقنيات الفضائية للمملكة. وتتعدد الإنجازات السعودية المتحققة في قطاع الفضاء بدء بتميز برنامج الأقمار الصناعية حيث واصلت المملكة منذ إطلاقها لأول قمر صناعي عربي في عام 1985 م إطلاق الأقمار الصناعية لأغراض الاتصالات والاستشعار عن بعد، مثل سلسلة أقمار "سعودي سات "، لتتمكن من إطلاق 17 قمراً صناعياً منذ عام 2000م وحتى 2021م، كما شاركت في تنفيذ تجارب علمية في الفضاء بالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وجامعة ستانفورد على متن القمر (سعودي سات 4) في عام 2014م، فضلاً عن مشاركتها في رحلة (تشانق أي 4) لاستكشاف القمر بالتعاون مع وكالة الفضاء الصينية في عام 2018 م في مهمة نادرة لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر، كما أعلنت المملكة في أكتوبر 2023 م، إتمام شركة «ASpace» الصينية استثماراً بقيمة مليار ريال (266.576.380 مليون دولار) لتأسيس أول مصنع للأقمار الصناعية المتقدمة في السعودية، على أن يرتفع حجم الاستثمار تباعاً مع مراحل المشروع الذي يتضمن البحث والتطوير وصناعة المكونات والأنظمة الفرعية وصولاً إلى الأقمار الصناعية، وستستفيد «ASpace» الرائدة من موقع السعودية الجغرافي بوصفها منصة لتعزيز قدرات الفضاء بالمنطقة عبر الاستثمار في الأقمار الصناعية المتقدمة التي تمثل 70 في المائة من سوق الفضاء، الأمر الذي سيعزز أيضاً من قدرات المملكة في تصنيعها من خلال نقل المعرفة والخبرات إلى جانب تنمية القدرات الوطنية في تقنيات القطاع. الوجود البشري في الفضاء ولم تغفل المملكة التي تفخر بأن ابنها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، هو أول رائد فضاء عربيّ مُسلم، عن أهمية تعزيز الوجود البشري في الفضاء فحرصت كل الحرص على وضع الأسس اللازمة لتنمية الكوادر البشرية السعودية المؤهلة والمتخصصة في مجال الفضاء عبر العديد من البرامج والمبادرات وأطلقت وكالة الفضاء السعودية " أول برامجها عام 2020م، وهو برنامج يُعنى بتنمية رأس المال البشري في قطاع الفضاء تحت مسمى برنامج "أجيال الفضاء" لتطوير كفاءات سعودية في مجال الفضاء. وفي عام 2021م أطلقت الوكالة البرنامج التدريبي Space 101 المتخصص في مجال الفضاء وتقنياته، بالتعاون مع شركة إيرباص للدفاع والفضاء "Airbus"، لرفع مستوى التعليم والدراية العملية المتخصصة بقطاع الفضاء للمهتمين والراغبين في تعلم علوم الفضاء، كما شملت تلك البرامج والمبادرات إطلاق الوكالة في 27 فبراير 2022م البرنامج التدريبي "مقدمة في تطبيقات الفضاء"، لطلاب وطالبات الدراسات العليا، والعاملين في قطاع الطيران والفضاء، ويركز على نظم الفضاء، والبعثات والتطبيقات الفضائية، ومنظومة قطاع الفضاء، وأنظمة الأرصاد، والإطلاق، والتشغيل، ومقدمة عن تطبيقات الفضاء، كما أطلقت الوكالة في عام2022م برنامج المملكة لرواد الفضاء، الذي يهدف لتأهيل كوادر سعودية متمرسة لخوض رحلات فضائية طويلة وقصيرة المدى، والمشاركة في التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء وفي عام 2023، أرسلت المملكة أول رائدة فضاء سعودية، ريانة برناوي، إلى محطة الفضاء الدولية (ISS) ضمن مهمة علمية بالتعاون مع وكالة ناسا وشركة Axiom Space، وقد قامت بإجراء عدد 14 تجربة على متن محطة الفضاء الدولية، وفي عام 2024 أطلقت وكالة الفضاء السعودية مسابقة «مداك» بالتعاون مع مؤسسة محمد بن سلمان «مسك» ومركز «عِلمي» لاكتشاف العلوم والابتكار -إحدى الجهات التابعة لمؤسسة "مسك"- كشريك استراتيجي، وتحمل المسابقة شعار «الفضاء مداك» بهدف إثراء المساهمة العربية في علوم الفضاء للطلبة على مستوى العالم العربي وتستهدف المسابقة الطلبة من الفئة العمرية بين 6 إلى 18 سنة، وتشتمل على ثلاث مسارات هي الفنون والنبات والهندسة. الإنفاق الفضائي ويصعب تحديد معدل وحجم ا للإنفاق السعودي على قطاع الفضاء التي وصل حجم سوق الاتصالات والتقنية فيها إلى 166 مليار ريال خلال عام 2023، وبنسبة نمو سنوي مركب بلغت 8% خلال الستة أعوام الماضية لتقاطع ذلك المعدل مع عدد من القطاعات الأخرى المرتبطة به، ولكن التوقعات تشير إلى نمو قطاع الفضاء محلياً وتجاوزه المعدلات العالمية، لتصل الزيادة السنوية المركبة إلى ما بين 11 و13% حتى 2035 مقارنة ب9% عالمياً ، كما تعمل وكالة الفضاء على استقطاب عشرات الشركات الناشئة في مجالات سياحة الفضاء والاستكشاف واتصالات الأقمار الصناعية والتصوير الفضائي، وصقل مهاراتهم في تنظيم المشاريع، وفهم عملائهم المستهدفين بشكل أفضل، عبر برنامج سيمكنهم من التواصل مع موارد عالمية عالية المستوى لتعزز فرص نجاحهم، وذلك بالشراكة مع «Techstars» التي تعد شركة استثمارية عالمية توفر الوصول إلى رأس المال، والإرشاد الفردي، وشبكة عالمية، وبرمجة مخصصة لرواد الأعمال في المراحل المبكرة. وأنشئت المملكة في عام 2024 "مركز مستقبل الفضاء" سعيا منها إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والمعرفة في مجال اقتصاد الفضاء العالمي، ويتيح المركز الوصول إلى مجتمع الثورة الصناعية الرابعة، في حين ستقوم وكالة الفضاء بإدارة وقيادة المركز بالتعاون مع "المنتدى الاقتصادي العالمي"؛ وسيعمل المركز على تحقيق العديد من الأهداف في مقدمتها إرساء منصة عالمية لتعظيم القيمة الاقتصادية والبيئية من قطاع الفضاء، وتطوير أفضل الممارسات والسياسات التنظيمية والتشريعية، إضافةً إلى تحفيز الابتكار التقني. وتوسعت المملكة في تعاونها الدولي مع غيرها من دول العالم بقطاع الفضاء عبر المشاركة في مختلف المشاريع الفضائية العالمية وعبر إبرام مختلف الاتفاقيات مع الدول ومع الوكالات الدولية لتعزيز التعاون في مختلف مجالات القطاع وعلى رأسها مجالات البحث والتدريب ومن ذلك على سبيل المثال توقيع اتفاقية "أرتميس" مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، للانضمام للتحالف الدولي في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية، التي تتضمن أيضًا الانضمام إلى التحالف العالمي لعودة الإنسان مجددًا إلى القمر. ومن الأمثلة على ذلك أيضا المشاركة الناجحة للمملكة ممثلة بهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية ووكالة الفضاء السعودية في أعمال الدورة 67 للجنة الأممالمتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية (COPUOS) التابعة لمكتب الأممالمتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) التي عقدت بمدينة فيينا بالنمسا خلال الفترة من 19 وحتى 28 من يونيو 2024م. وكان العام المنصرم 2024 حافلا بالنجاح حيث سجلت وكالة الفضاء السعودية سلسلة من الإنجازات التي أسهمت في تعزيز مكانة المملكة الريادية في مجال الفضاء على المستويين الإقليمي والدولي ويأتي في طليعة تلك الإنجازات النجاح المتميز لتنظيمها ل «مؤتمر الحطام الفضائي» والذي جمع 260 خبيرا يمثلون 50 دولة لمناقشة التحديات المرتبطة بالحطام الفضائي، وتقديم حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة الفضائية، وضمان استدامة الأنشطة الفضائية المستقبلية. المملكة تؤهل كوادر بشرية لعالم الفضاء ريانة برناوي الاهتمام بالفضاء مواكب لتحقيق التنمية المستدامة اهتمام سعودي بقطاع الفضاء