في الحادي عشر من مارس من كل عام، تحتفي المملكة بما يمكن اعتباره أكثر من مجرد يوم عابر في التقويم الوطني، إنه يوم العلم السعودي، الذي لم يكن مجرد راية ترفع عالياً، بل يبقى رمزاً حيّاً لتاريخ طويل من الوحدة، القوة، والتضحية، ففي هذا اليوم، لا تحتفل السعودية فقط بعلمها، بل تجدد الارتباط العميق بين حاضرها وماضيها، وبين هوية وطنية متجذرة في التاريخ. لقد تأسس العلم السعودي في 11 مارس 1937م بمرسوم ملكي من مؤسس المملكة، الملك عبدالعزيز آل سعود –طيب الله ثراه- حينما تقرر أن يتخذ العلم شكله الذي نعرفه اليوم، الأخضر بكتابة الشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله" والسيف الذي يمتد على الأرض، رمزاً للقوة والعدالة، فلم يكن هذا العلم مجرد شعارات أو رموز متداولة، بل كان خطوة جوهرية في بناء هوية وطنية موحدة، حيث اختُير اللون الأخضر ليمثل الخصوبة والنماء، كما يعكس روح الإسلام والتفاؤل، فيما يرمز السيف إلى الدفاع عن الحق وإرساء العدالة. في فلسفة العلم السعودي، تجد أن الألوان والخطوط ليست مجرد سمات شكلية، بل تجسيد واقعي للأمل والحلم السعودي، القوة والعدالة، فالأخضر لم يكن فقط لونًا يعكس السماء والربيع والزرع، بل كان تأكيدًا على الروح الدينية للمملكة التي تشكل جزءًا من حياتها اليومية في تعاليمها وقراراتها، وحالة من الأمل في غدٍ مشرقٍ يعكس روح الوحدة الوطنية، كما أن السيف رمز للقوة والقدرة على تحقيق العدالة والحفاظ على الأمن في وجه التحديات. ويحمل العلم السعودي بين طياته إرثًا حضاريًا يمتد من لحظة توحيد البلاد على يد الملك عبدالعزيز حتى يومنا هذا، لأنه يروي قصة الأمة التي توحدت بعد عقود من التشتت، ويجسد مرحلة البناء، الازدهار، ومواصلة رحلة التقدم. إن رفع هذا العلم يعد فرصة للتوقف أمام ما يحمله هذا العلم من قيم، ولإدراك ماذا يعني أن نكون جزءًا من وطن عريق، يمتد من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، وأمة تستمد قوتها من تاريخها، دينها، وطموحاتها المستقبلية. إن علم المملكة مؤشر على مرحلة من التحول الكبير في مسار الوطن، وتجسيد لحالة من الحركة الدائمة نحو مستقبل مشرق في إطار من الوحدة والتضامن، لتجديد الاعتزاز بهذا العلم الذي يرمز إلى التاريخ المشرف للمملكة، وتأكيد على أن الإيمان بمبادئ التوحيد والعدالة، التي تأسست عليها المملكة، ومع كل عام يمر، تظل الراية الخضراء التي تعلو السماء، تحمل في طياتها رسالة مستمرة للأجيال الجديدة بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الإرث التاريخي الذي لا يزال ينمو، ويزدهر، ويرتفع. وفي النهاية يبقى يوم العلم السعودي أكثر من مجرد يوم رسمي في التقويم، إنه تأكيد على وحدة الأمة، ليبقى تاريخنا قصة قديمة تُحكى في الكتب كإرث حضاري، وفي الحاضر والمستقبل يبقى جزءاً من حياتنا اليومية، ومن طموحاتنا التي نسعى إلى تحقيقها، فنحن لا نحتفل بالعلم فقط، بل نحتفل بعراقتنا، وبالإيمان الراسخ الذي يجمعنا تحت راية واحدة، علم يحمل في طياته تاريخًا حافلًا، وحلمًا مستقبليًا مستمرًا.