أمسية استثنائية في مقهى أدب قلبت معادلة الحضور في أمسيات الشعر التي عادة لا يحضرها إلا قلة، وتمازجت الأمسية لتكون خليطًا من القصائد التي ألقتها د. فوزية أبو خالد فارسة الأمسية مع مداخلات شعرية ونقدية شفيفة أو سرد لذكريات ومواقف رفيقات دربها خرجت من النمط التقليدي للأمسيات إلى تفاعل جميل مغاير للسياق العام، فحضور رائدة القصيدة النثرية والتي طبعت الديوان الأول لها في لبنان في منتصف السبعينات الذي حمل أوجاع المرأة وهمومها ونضالها في الحياة لمحاولة إثبات ذاتها ووضع موطئ قدم شعري في زمن قلّت فيه الحاضرات من الشاعرات؛ ما بالك عزيزي القارئ شاعرة خرجت من أسوار القصيدة التقليدية وبحورها إلى فضاءات قصيدة النثر المتعارك حول شعريتها حتى الآن ولك أن تتخيل ما واجهته. فوزية أبو خالد قصيدتها كجسد منثور على امتداد عالمنا الشعري، صوتها صاخب رغم رقته، يصل لمسافات شاسعة من صحراء الروح ليرويها، وتحليقها في مواضيع دقيقة خاصة بالمرأة وتفاصيل الحياة أكسبها عالميتها إضافة لسعيها الدائم للحضور ووضع وتد قصيدتها في المفازة التي تحاول بما أوتيت أن تعبرها لتصل بخير الضفة الأخرى للحياة . معجونة هذا الشاعرة بقضايا المرأة كتبت «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» القصيدة التي حاولت جاهدة في بداية مشواري الإعلامي أن التقي شاعرتها بعد أن نزفت شفتاي من شدة ألم إلقائها والبوح بها مرات على منابر مختلفة، وقد اتخذت منها نموذجاً لشرنقة المرأة التي خرجت من ألمها كفراشة وهو حال فوزية أبو خالد، التي كتبت عن صانعة السلام .. حليفة الفرح .. مبطلة الحروب.. عدوة الانكسارات.. المعقدة البسيطة.. الندية الشرسة.. سيدة الحياة.. راية الأوطان.. المرأة المدهشة في كل حالاتها.. المناضلة لتكون هي وقد برعت في الحديث عن حالات من الصعب اقتناص لحظتها والحديث عنها كالمرأة الحامل مثلاً حين شبهت ألمها كأوتاد في عمودها الفقري. تقول فوزية أبو خالد: «مذ تورطت بمخاطرة كتابة قصيدة النثر وأنا أعيش تحدي البقاء على قيد الشعر ليس عبر دروبه المعبّدة، بل عبر اقتحام وحشة طرق شعرية غير آهلة»، لذلك لم تهدأ المعارك حولها حول جدلية قصيدة النثر، ولم تعرها بدورها أي اهتمام أو دفاع، فهي التي تقول كلمتها تنبش في ألغام الحياة وتعبد الطرق الوعرة وتفتح نوافذها من جدران حديدية ثم تمضي. فوزية أبو خالد لم تغوها دروب الحب والشعر فقط، ولم تكن المرأة وحدها محور كتاباتها بل هي شاعرة معجونة بما حولها من قضايا اجتماعية وسياسية لم ترضَ أن تكون على هامشها بل كان عمودها الأسبوعي في صحيفة الجزيرة يحمل آراءها الصاخبة والحلول التي وضعتها كامرأة مثقفة واعية. في الأمسية التي حضرها عشرات من أحبتها وعشاق حرفها ومشوارها؛ كان بريق عينيها مختلفًا، كنيازك فرح ومرايا تترقرق فيها السعادة والزهو بالإنجاز. أبو خالد الشاعرة التي تذكر الحاضرين بأسمائهم وتسأل عن غائبهم وتحيّي الذين امتلأ بهم المكان فتابعوا اللقاء وقوفاً ومن خلف الحواجز الخشبية للمقهى احتشدوا لتقول القصيدة كلمتها وترسم أمسية رائقة تسكت الأفواه التي تجادل في شرعيتها. رغم حضور د. فوزية على منابر عربية وأخرى عالمية إلا أن هذه الأمسية هي الثانية لها في وطنها الذي احتفى بها وبمشوارها كأيقونة للأدب والحياة، فأكدت أن أجمل المنابر هو منبر الوطن الذي يشهد حراكاً ثقافياً غير مسبوق من آثاره المعلقة البرنامج الشعري التي تحضر فيه د. فوزية من لجنة التحكيم والذي قالت عنه: «من الجميل أن تولد قصيدة النثر في حضن المعلقة البرنامج الشعري الذي انطلق من أرض المملكة». تحية للمرأة صديقة الحياة، ربيبة الضياء، صانعة الحياة. الشاعرة د. فوزية أبو خالد