على مدى أسبوع كامل امتد من الخامس من أغسطس عام 2004م وانتهى بالثاني عشر منه، كانت الأردن تصغي لصوت الشعر القابض على جمر الهم القومي الواحد عبر قامات شعرية ثرية من أصقاع الوطن العربي كافة اجتمعوا منذ الرابع من أغسطس.. في مهرجان لشعر العربي العاشر الذي ينظمه منتدى الرمثا الثقافي بالتعان مع وزارة الثقافة وجامعة اليرموك وجامعة العلوم والتكنولوجيا. لينطلقوا في مدن الأردن المتفرقة ينثرون الضوء والقصائد ويشيعون ملامح الثقافة المكتنزة في قصائدهم ليقف الأردن على امتداده مصغيا لنبضهم متنقلين بقصائدهم من الرمثا حتى السلط مرورا بإربد والبتراء ومعان والعقبة. اليوم الأول: حفل الافتتاح تم افتتاح فعاليات المهرجان برعاية السيدة اسمى خضر الناطق الرسمي باسم الحكومة المكلفة بشؤون الثقافة مساء الخامس من أغسطس في جامعة العلوم والتكنولوجيا مدرج الكرامة، وقد شارك في أمسية الافتتاح (11) شاعرا من الأردن والدول العربية وهم نايف أبو عبيد - الأردن، إبراهيم الوافي - السعودية، وإلياس لحود - لبنان، وبشير رفعت - مصر، وريم قيس كبه وعبدالرزاق عبدالواحد - العراق، وغنيمة زيد الحرب - الكويت، ومحمود أسد ونزار بريك الهنيدي - سوريا - وعبدالكريم أبو الشيخ - الأردن. وكانت قصائد الشعراء الذين شاركوا في الأمسية متنوعة المضامين حيث لوحظ سيطرة الهم الوطني والإنساني على مجمل القصائد كما سيطرت وبشكل عام القصائد ذات اللغة المباشرة البعيدة عن التعقيد في الصورة الشعرية - والتي كانت تقترب من ذهنية المتلقي بكل تجلياتها، وهي قصائد استطاعات أن تقف على حدود الألم الذي يعصف بروح الأمة، قصائد مفعمة بالوجع والفرح معا. القراءة الأولى كانت للشاعر نايف أبو عبيد الذي قرأ قصيدة استذكر من خلالها روح الروائي العربي الراحل عبدالرحمن منيف. ومن جانبه قرأ الشاعر السعودي إبراهيم الوافي قصيدة خص بها بغداد وأخرى للرياض وكانت لغته صافية وتنم عن مراس شعري مذهل وحقيقة إذا كان لحضور الشاعر العربي الكبير ورفيق درب السياب عبدالرزاق عبدالواحد بعد فني عميق في إثراء هذا الملتقى الحميم فإن الشاعر السعودي إبراهيم الوافي الذي تميز بثراء قصيدتيه وقدرتهما على خلق نسيج قادر ونادر للتواصل مع كل الأذواق والتوجهات الشعرية جعله ظاهرة هذا الملتقى كما سيتضح لنا من خلال استعراض فعالياته.. فالجميع داهمهم الشاعر في حفل الافتتاح بقصيدتيه اللتين حملتا مؤونة الشاعر وحرصه على ملامسة الجوهر الإنساني.. حيث قرأ أولا نصه الشعري الطويل المعنون ب(الرياض) حين قدم لجمهور الشعر في ذلك المساء الأول جغرافية سائلة حملت صوت الشارع وهم المواطن البار بوطنه والصادق حتى ملامسة الوجدان، كان صوت الوافي يتحشرج ويستأثر بشجن وانتباه المتلقين وهو يختم نصه الافتتاحي بقوله عن مدينته الرياض: لا تكمم فمي. انها مئزر الوقت تحمل قنديلها راعشا في الشتاء لتدفئ أوردة الصبر فينا.. وتنتعل الريح.. خاتمها شاعر جاء من غير وعد بها ثم حك فراء قصيدته واستوى للبياض.. لا تكمم فمي.. أول الشاعر أنثى وآخره بقعة زوجوها الخزامى.. فجاءت لنا بالرياض..! ثم انتقل بعد ذلك إلى نصه الثاني حيث ( الساعة الثانية عشرة بكاء بحسب تفويت بغداد) وهي التي قطر فيها العصور البغدادية مستعينا بالموروث ومزجه بالمعاصر في لوحة فنية تشكيلية لا تغادر ذاكرة الجمهور الذواق. للقصيدة الجادة والمتوثبة إلى افتتاح بلدان الدهشة. أما الشاعر اللبناني إلياس لحود فقد استهل قراءته الشعرية بتحية لمدينة الرمثا، باللهجة اللبنانية ومن ثم قرأ قصيدة حملت عنوان (الساعة). وقرأ الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد قصيدة استذكر من خلالها الجرح الغائر في جسد العراق، وتلته الشاعرة العراقية ريم قيس كبه بقصيدة تلمست من خلالها بوحها الذاتي. كما قدم الشاعر المصري بشير رفعت مجموعة من المقاطع الشعرية كشف فيها عن مفارقات اعتمدت أسلوب الدهشة وقرأت الشاعرة الكويتية غنيمة زيد الحرب قصائد عبرت عن شفافية لغتها ورقة المضمون. وتواصلت الأمسية بقراءات للشاعر نزار هنيدي حيث قرأ قصيدة طويلة بعنوان (كان الطريق يميل) ثم قراءة للشاعر عبدالكريم أبو الشيخ. واختتمت بنصوص قصيرة وآخر باللهجة الجزائرية للشاعرة الجزائرية فوزية الرادي.. وكان السيد محمد الزعبي مدير المهرجان قد ألقى كلمة ترحيبية بالشعراء وتطرق في كلمته إلى أوضاع المنتدى داعيا المؤسسات الحكومية والشعبية إلى دعم المنتدى ماديا. اليوم الثاني: مساء (عرار) مدينة إربد 6 أغسطس تواصلت فعاليات المهرجان في بيت عرار شاعر الأردن، وجاءت الأمسية برعاية مندوب عن مدير عام المركز الثقافي الملكي الدكتور مصطفى الخوالده ألقى في البداية كلمة ترحيبية بالضيوف الشعراء من الدول العربية. ثم بدأت القراءات الشعرية التي عانقت روح مصطفى وهبي التل وتنسمت ظلال المكان بألق الشعر، وحلقت القصائد في فضاءات الروح المشبعة بوجع الحاضر. قرأ بداية الشاعر السوري محمود محمد أسد غير قصيدة تجلت فيها روح الشاعر وحاورت بلغتها جراحات الوقت، حيث الأحلام لم يبق لها المرافئ، هذا الشاعر أمسك بزمام قصيدته الملأى بالتوجعات من فلسطين إلى العراق. وفي قصيدته ( السفر إلى ضفاف الرافدين) يقول: أهديتك الشعر والآمال والهدبا ما جاءني منك إلا خافق تعبا ومن الكويت قرأت الشاعرة (غنيمة زيد الحرب) مجموعة من القصائد القصيرة التي حملت عبر ثناياها الصورة المكثفة تجاه الحياة والإنسان بلغة صافية معبرة عن مكنونات النفس البشرية، شاعرة مرهفة الحس مثالية النظرة تتحكم فيها إلى البراءة والعفوية الصادقة: قبل أن تغلق الشمس أبوابها قبست حفنة من ضياء وكان المساء على قاب نهرين من قلبها وكانت تهئ مركبها للصعود الشاعر الأردني جهاد هديب أوغل في التأمل وعاين أرصفة الحياة والكائنات بعين متبصرة للأشياء ليقرأ تفاصيل النهارات ويعترك مع العتمة مرتلاً الأشياء بغنائية الروح المستلبة: لا دم له علينا هذا الحنين المحمول فينا مثلما ترتدي فلاحة ثوبها وتنبعث منه رائحة مواقد بردت، ما من أحد اقترب منه بسكين أو أصابه بنصل الشاعر المصري بشير رفعت امتازت قصائده بالتكثيف واللغات الطازجة المعبرة عن اختلاجات النفس المفضية إلى دواخل الأشياء، يصحبها عنصر المفاجأة والدهشة. يقول في إحدى قصائده: أبي ما الذي ساءهم من وجودي أبي ليس لي غير كراسة الرسم ثم مزقتها وجعلت البياض حدودي الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد أنشد للعراق وتباكى على الحال الذي وصل إليه لكنه العراق بقي صابراً رغم الملمات التي أثقلته، وعرج في قصيدة أخرى خاطب فيها عمان وقد كتبها أثناء الاحتفال بعمان عاصمة للثقافة العربية مرة قيل لي لِمَ من دون الشجر تحتفي بالنخيل؟ لم أجد ما أقول غير أن الفصول كانت تتعاقب علينا بالعمارة الشاعر اليمني أحمد العواضي قرأ قصيدة بعنوان (الذئاب) تنقل من خلالها إلى الهوان والذل العربي الذي نعيش ورسم بانوراما شعرية درامية تغلغل فيها ثنائيات الجسد الإنساني الممزق من أنياب ذئاب الوقت: الذئاب تطيل مخالبها تعض الصدى وتخيف القرى ذئاب تهز عمود النهار الكبير وتخيف الجنادب في العشب أما الشاعر اللبناني إلياس لحود فقرأ عدة قصائد باللهجة اللبنانية بطريقة ممسرحة في الأداء خدمت النص الشعري، فكانت القصائد مبنية بشكل مسرحي درامي يقترب من الهم الانساني المعيش. ومن الجزائر قرأت الشاعرة (فوزية الراوي) قصائد باللهجة المحكية الجزائرية وأخرى بالفصحى استطاعت بطريقة إلقائها الاقتراب من الملتقي بشفافية الصورة المبسطة المعبرة عن جوانيات الأنثى لا تسألني سيدي، لن يعجبك الجواب لن أعترف أمامك مللت أن أكون شهر زاد وكلكم شهريار ومن جانبه ألقى الشاعر البحريني الدكتور علوي الهاشمي مجموعة قصائد تجول فيها بالمرأة رسماً بتاريخ قلبه المتوج بعبيرها، راسماً بقصائد أخرى الحزن الذي يلف أرجاء المعمورة لماذا يرافقك كل ما فيك حتى أنك خارطة لخطايا الطويلة فلا أستريح سوى في مداك الجميل أما الشاعر نزار بريك من سوريا فقرأ جملة من القصائد القصيرة المشحونة والمعبرة عن تطلعات الإنسان العربي والقارئة تواريخ النفس المسكونة بالأوجاع لم يكمل قصيدته لم يطو شراع الحرف فلا تبكوه/ ما زال النور يكلله ما زال الورد يسير إليه واختتمت القراءات بظهور مدهش آخر ومختلف جدا للشاعر السعودي إبراهيم الوافي الذي امتازت قصائده بالسخرية اللاذعة تجاه المسلمات المعلبة، قالباً ظهر المجن على الموروث الذي تميزت به نصوصه في حفل الافتتاح كاشفا في الوقت ذاته عن تنوع شعري مميز ولافت جدا ومن قصيدة شعراء نقرأ: حينما يصبح المتنبي ضميراً وبشار فعل مضارع سأعبر وحدي المواجع أغني لعينيك أنشودةً كانتظار المطر وأزرع ما بين (أذني) و (كتفي) جهازاً يبلغني أن حرب البسوس انتهت وأن المدينة حبلى بحزن الشوارع..! اليوم الثالث تتواصل فعاليات مهرجان الشعر العربي العاشر بنجاح كبير، هذا المهرجان الشعري الذي ينظمه منتدى الرمثا الثقافي بحضور نخبة من شعراء الوطن العربي وشعراء أردنيين، قرأ أمس الأول في رحاب جامعة الحسين بمدينة معان ثلة من الشعراء: نزار بريك هنيدي ومحمود محمد أسد وفوزية الرادي وعلوي الهاشمي والزميل عمر أبو الهيجاء وبشير رفعت وإبراهيم الوافي وإلياس لحود والزميلة إحسان الفقيه. في هذه الأمسية التي كانت أكثر تألقا وتحليقا في قضاء الكلمة الحساسة والمعبرة، وقد تفاعل الجمهور مع الشعراء وقاطعوهم أكثر من مرة بالتصفيق معبرين عن دهشتهم، في هذا اليوم كان الشعر مختلفا تماما عن الأمسيات السابقة ويأتي لاختيارات الشعراء الموفقة والمدروسة التي تعبر عن تطلعاتهم وتمعن في الحياة من رؤاهم المتبصرة لروح الإنسان واسشتراف المستقبل. واللافت أن جمهور الأطراف متعطش للشعر والشعراء على عكس العواصم فنرى القاعات والأماسي الشعرية والأدبية التي تفتقد إلى مثل هذا الحضور البهي ولا يكاد يحضر الأمسيات سوى الشعراء أنفسهم. القراءة الأولى كانت للسوري نزار بريك هنيدي قرأ قصيدة بعنوان (شجر يرتدي العاصفة) امتزجت روحه بالوقت الآزف وتتبع في سياق القصيدة شهقات الحروف التي باح من خلال أغنياته ورؤاه تجاه المحسوس متجاولا مع العواصف ورجفة الدم أزف الوقت لم يبق غير هنيهة دمع ورجفة دم لك أن تستعيد رفيف الدراية ما زال في العمر موج يحن من شهقات الحروف وهمس النغم الجزائرية فوزية لرادي قرأت غير قصيدة، همست من خلالها بمطر قلبها المتوج بالأغنيات والأزاهير، ولمعاني العشق والشهادة فكانت صلاتها للشهيد مثل الجبال الخاشعة في علاها لمعنى الصمود والكبرياء من قصيدة (صلاة للشهيد) تقول: من كتب عشقك الأولى تعلمت معاني العشق وسمو الوفاء من خطوط وجهك المنقوشة على جبين الشمس/ تعلمت كيف تنزل خيوط النور نجوما وقرأ الزميل عمر أبو الهيجاء جملة من القصائد المختزلة والمكثفة الراصدة لتفاصيل الحياة بلاد مرضي بالجنرالات مغسولة بنبيذ أمريكي تكشف ثدييها للماقرين وتهتف بنشيد وطني مكسور أمام هيبة دم صاعد من جدل جنين أما الشاعر د. علوي الهاشمي من البحرين فقرأ قصيدتين الأولى للحب والثانية عن الحرب راسما ثنائية مضادة لما نراه اليوم، حيث إن العرب هم الذين علموا العشق للآخرين، في قصيدتيه دارما إنسانية تغلغلت في الجرح الدامي الذي يلفع جسد الأمة والدم المحاط بالسلاسل. فكان حواره مع أبيه وسيفه الذي مازال يبكي على الجدار يحن لمن يخرجه من غمده ويشعله بالانتصارات حين رجعنا آخر النهار وجلجلت في دمنا السلاسل كان هناك جاثما سيف أبي معلقا يبكي على الجدار الشاعر المصري بشير رفعت كعادته قرأ قصائد قصيرة (وتريات) بحث فيها عن أشكال الحياة المختلفة في مضامينها، وتمثلت تلك القصائد بكثافتها اللغوية مشهدية الكون والكائنات، عكست ثقافة الشاعر في استقراء مكنونات النفس. لم تمت أمي ولكن غادرتنا كي ترى أطفالها الموتى فتسقيم بدل الدفء في عرى المقابر من السعودية قرأ الشاعر إبراهيم الوافي قصيدة رؤيوية كشف فيها عن المخبوء في ظلال الروح متأملا صدر الحقيقة في هذا الكوكب المسكون بالهذيان مواصلا الكشف عن عوالمه الشعرية الثرية عبر لغة متميزة وأبعاد شعرية ناضجة ومتمرسة. لليل المساكين بابان باب لظلي وباب لهم أنا المتعب الآن مني ورائي النجوم معلقة فوق صدر الحقيقية نائمة في صباب الزجاج الشاعر محمود محمد أسد قرأ جملة من القصائد أظهر قدرته وموسيقاه على اختيار موضوعاته، وعايز الشعر وكتابة الشعر رافضا التعتيم في القصائد الحديثة ورافضا الانزياح الذي يكسر درع البيان، وتبقى رؤيته الخاصة تجاه القصيدة فالشعر دهشة وإيقاع ولغة متفجرة مركبة وتقنية عالية. الشاعرة الأردنية إحسان الفقيه قرأت قصيدتين عالجت فيهما قضية المرأة بلغة شفافة وبإيقاع سريع تجاوب معه الحضور وتعاطف مع أجواء قصائدها ومضيت تتبعني ظلال كآبتي ويبيض طير الحزن في أعماقي واختتمت القراءات بقراءة الشاعر اللبناني إلياس لحود الذي استذكر في قصائده بطولات الجنوب اللبناني اليوم الرابع: العقبة: رعى الدكتور أحمد الطراونة أمين عام وزارة الثقافة على شاطئ العقبة الأمسية الشعرية الخامسة بحضور محافظ العقبة السيد خالد عوض الله والتي تأتي ضمن فعاليات مهرجان الشعر العربي العاشر الذي ينظمه منتدى الرمثا الثقافي بالتعاون مع محافظة العقبة وجمعية العقبة للثقافة والفنون والتراث وألقى بداية د. أحمد الطراونة أمين وزارة الثقافة كلمة أشاد فيها بالدور الثقافي لمدينة الرمثا ومنتداها وجمعية العقبة للثقافة والفنون، ومن جانبه ألقى محمد العسيلي كلمة الجمعية وأدار الأمسية المهندس بسام أبو النصر. وتلا ذلك القراءات الشعرية للشعراء العرب والأردنيين، القراءة الأولى كانت للشاعر الأردني عبدالكريم أبو الشيخ قرأ جملة من القصائد التي عانقت روح الأنثى ووفقت بتجلياتها عن طقوس المرأة بنفس لا يخلو من العشق الروحي وبلغة مفعمة بالحب والمشاعر المغسولة بنار الهوى والأحلام. هيأت لك الملقى وكتبت الشوق على أطراف مناديلي أنفض رأسي المثقول بأحلام أوهام الشاعر السعودي إبراهيم الوافي قرأ قصيدتين الأولى في البعد القومي والثانية في العشق التي حاور فيها المرأة وتغلغل في تفاصيل العشق ونثر الجسد برؤية تأملية فأمطر بشعره عوالم المرأة بنسيج لغوي يدعو للدهشة والمفارقة واستطاع ببراعة أن يمد جسرا من التواصل الكبير بينه وبين الجمهور الكثيف الذي امتلأ به مدرج القلعة في شاطئ العقبة: لا تخافي.. لست في شرقيتي هذا المساء السرير الضاحك العينين هذا.. ليس يغري لا تخافي.. لم أعد أحفظ شعري لم أعد أتقن عهري لم أعد أفهم طهري لم أعد أعرف من أين ومن ماذا سأستخدم سحري.! كل ما أبغيه.. أن أقرأ فجري.! آآآه يا أنثى القصيدة منذ شهرين وأكثر ما تعاطيت السجائر منذ عشرين وأكثر ما غفا في القلب طفل ليس شاعر..! ناوليني علبة الكبريت.. لن أقوى على ترك مكاني إن تحركت قليلا ربما أفقد من عمري ثواني..! والزمان الآن قنديل بأرياح الثواني..! ومن ثم قرأ الشاعر البحريني د. علوي الهاشمي قصائد قصيرة جنح فيها أيضاً إلى المرأة راسماً عشقه الطفولي وسط جنح العتمة فكانت قصائد تنم عن تجربة عميقة ومراس مع الشعر وسط جنح الظلام يتسلل حبك نحوي كطفل يفاجئني عند منعطف العمر يسألني عن دمي المتبقي الشاعر السوري محمود محمد أسد قدم قصائد أيضاً غزلية بروح معذبة لا تخلو من فيض المشاعر وصدق القول الشعري في الوصول إلى أنثاه دوار يصادر عشقي ويمضي ليسكن نبض السؤال صداع تراكم في كل ثوب وراءه ألف ضياع وتمضي الذكريات أما الشاعرة الجزائرية فوزية الراوي ما يميز الشاعرة طريقة إلقائها للشعر على بساطة شعرها إلا أنها تستطيع أسر الجمهور بفن الإلقاء أيها المعتلي بح كيف هزمت جيوشي كيف أسرت سلطاني بعدما سلم عرشي من اليمن قرأ الشاعر أحمد العواضي قصيدتين تأمل فيهما لحظة انتصار الروم على الروم والمدن التي تلهث راكضة في المواسم والتي تعانق مرتدية لحظات الجنون، قصائد وجودية تبحث في عمق التاريخ راسمة بانوراما الحياة والكائنات. ينتصر الروم على الروم! مدينة تركض في الوهم وأخرى ترتدي الجنون ضاق التلاميذ بيومهم وبالمدرس المهموم ومن جانبه قدم الشاعر المصري بشير رفعت جملة من القصائد القصار التي ارتكز فيها إلى ما هو يومي ومعاش باحثا في تفاصيل اللحظة الهاربة بلغة مكثفة تحمل في أجواء عنصر المفارقة والدهشة. الذين جلسوا في الصفوف الخلفية استطاعوا أن يخرجوا في هدوء عندما لم تعجبهم المسرحية! واختتمت القراءات الشعرية الشاعرة الكويتية غنيمة زيد الحرب فقرأت مجموعة من القصائد فاتحة كتاب الفرح الذي يشتبك مع الحزن وقارئة ملامح الحروف وسط الرياح العابثة بأوراق كتابها المحترق بالمعاني الكبار قرأت فاءً ثم راءً ثم نون رأيت فيما يشبه الجنون أن الحروف تحترق فيذبل الورق ويسقط الكتاب اليوم الخامس الأصبوحة الشعرية والنقدية: تواصلت فعاليات مهرجان الشعر العربي العاشر بجامعة اليرموك، بقراءات شعرية للشعراء: أحمد العواضي وبشير رفعت ومحمود أسد ود. علوي الهاشمي ود. نزار هنيدي وإبراهيم الوافي وفوزية الرادي ود. محمد مقدادي ود. محمد الزعبي ومحمود الشلبي ويأتي هذا المهرجان بالتعاون مع جامعتي اليرموك وجامعة التكنولوجيا. في هذه الأصبوحة الشعرية التي أدارها د. نايف العجلوني، جاءت النصوص الشعرية من الشعراء على اختلاف تجاربهم لتحاكي نبض الحياة ومشتبكة مع الأشياء والكائنات قارئة جوانية النفس البشرية، وفي نفس الوقت طارت إلى فضاءات الأنثى متأملة روحها العطشة وروح العاشق الملتاع، قصائد ملأى بالحيوية واللغة الشفافة التي تبتعد عن التعميمات في اللغة، إلا أن القصائد ببعض النماذج التي قرئت وامتزجت بالموسيقى الصافية وفضاءات قصيدة النثر، ويلاحظ أن القصائد النثرية سواء التي استمعنا إليها تجلت اللغة الطازجة، وانزياحات اللغة والاشتغال على الصورة الشعرية المدهشة التي تأخذ عنصر المفارقة العجيب، الأمسية تأخذ عدة قراءات لاختلاف مضامين القصائد، والتي رسمت روح الوطن وروح المرأة والمعاناة الإنسانية وجاورت قصائدهم روح عرار. ابتدأ القراءات الشاعر اليمني أحمد العواضي فقرأ قصيدة الذئاب التي استمعنا إليها في أمسية سابقة إن هذه القصيدة قرأت الواقع العربي بكل إرهاصاته وآلامه، لقد استطاع الشاعر أن يرسم لنا صورة بانورامية لهذا الزمن المتساقط بفعل الانكسارات والهزائم. الذئاب تطيل مخالبها وتعلق أحقادها في الأثير تعض الصدى وتخيف القرى وتهز عمود النهار الكبير أما الشاعر السوري محمود أسد فقرأ قصيدتين.. في قصيدته (من يوقظ ليلى) حاول أن يرسم صورة المرأة العاشقة والمرأة التي انشغل فيها الشاعر بالشعر، ودائما يدعوها فاتنة العمر لكن عمره الشقي قد لوى زنده ولم يعد الاحتمال. يا فتنة الروح عنك الشعر منشغل يا فتنة العمر إن شيب القلب مشتعل يا فتنة العمر، والعمر الشقي لوى زندني وكفي وليت الأمر يحتمل ونظراً لعدم أهلية المكان للقراءة الشعرية إذ كان من المفترض تخصيص هذه الأصبوحة للطرح النقدي فقط حول قصيدة النثر ما لها وما عليها.. إلا أنه وعلى الرغم من هذا واصل الشعراء تحليقهم وبرز الوافي بصورة لافتة من خلال لعبته اللغوية كملمح إضافي مثير في سياق تجربته التي تحمل في كل أمسية من أمسيات المهرجان بعداً ثرياً في التجربة: صباحك يجتاحني مثلما تشتهين..! أسائل عنك القصائد.. أنسخ منها الأثير لديك.. أتسلى إلى أن تجيئي بكفي حنين.! أكثف رغوة موس الحلاقة.. أقرأ كل الجرائد في النت.. أطلب من قلقي أن يفرش أسنانه ريثما تحضرين.. د. نزار بريك هنيدي الشاعر السوري قرأ جملة من قصائد النثر التي عالج فيها عدة قضايا بلغة متدفقة المشاعر والأحاسيس ومتوازيا فيها مع تجربته في القصيدة الموزونة، وقد استفاد من قصيدة النثر في تجربته الشعرية لن أجيئك حاملا مفاتيح روما ولا أوسمة حرب البسوس ولن أعدك برأس القيصر الشاعرة الجزائرية فوزية الرادي قرأت غير قصيدة عاينت فيها واقع المرأة وأقسمت بأنها بعد هذا الجفاء لن تعود إليه قصيدة عتاب مر لا تخلو من الرؤية الصادقة تجاه حالات الأنثى أقسمت بعد فراقنا الأخير أن لا أعود إليك وها أنا أمارس الحنث واختتم القراءات الشعرية د. محمود الشلبي حاور في قصيدته جده وحاور في قصيدة أخرى مفردة في السطر كيف يضع وهج العمر وكيف تخبو الأمطار لا أردي كيف يضيع العمر وتخبو ذاكرة الأمطار وأهيم على وجهي لا أسأل لا أحتار وتلا الأصبوحة الشعرية حلقة نقدية حول (قصيدة النثر ما لها وما عليها) وشارك فيها د. محمد العجلوني ود. علوي الهاشمي وشفيق البقاعي ود. محمد الزعبي، حيث درس الباحثون النقاد في الحلقة النقدية (قصيدة النثر ما لها وما عليها). بداية قال الدكتور محمد العجلوني في مداخلته، ليس قصيدة النثر ظاهرة من التجديد والحداثة بل ظاهرة تجديدية بارزة في القصيدة العربية وهي جديرة بالاهتمام والدراسة، مبينا أن على الأشكال الشعرية أن تتجاور وتتنافس ومن الطبيعي أن تتمرد الأشكال على السائد. ومن جانبه قال الناقد الدكتور علوي الهاشمي من البحرين قصيدة النثر ليست عبثا أو مصادفة أن تأتي في هذه المرحلة الإشكالية في كل جوانبها، وإن قصيدة النثر تواجه التحديات، ورأى المستقبل لقصيدة النثر ولكن يجب النظر فيها وأن لا يستهان بها، وفي المقابل أنها قصيدة وليدة وأن معظم ما كتب في قصيدة النثر ليس بشعر. ونيابة عن د. شفيق البقاعي من (لبنان) قرأ مدير مهرجان الرمثا د. محمد الزعبي وأهم ما جاء فيها أن قصيدة النثر جاءت تجريبية ناقصة وأن معظم من كتبها ليس شاعرا، ففي الكثير من التجني على قصيدة النثر والظاهر أنه الناقد إلى ثنايا قصيدة فكانت أحكامه غير مدروسة، وجاء في مداخلة د. محمد الزعبي من جامعة اليرموك أنه اتفق مع د. علوي الهاشمي، مبينا أن موضوع الحرية المعطاة في قصيدة هي حرية صعبة وليس الشعر حرية مطلقة، إن معظم ما يطرح كقصيدة يفتقد إلى الشروط التي تطلبها فيها، موضحا أن أكثر من ثلاثة أرباع الشعر القديم ينتمي إلى النظم. اليوم الختامي: السلط بحضور وزير الدولة الناطق الرسمي باسم الحكومة المكلف بشؤون الثقافة السيدة اسمى خضر ورئيس بلدية السلط الكبرى اختتمت في مساء الخميس الثاني عشر من أغسطس 2004م في مدرسة السلط الثانوية فعاليات مهرجان الشعر العربي العاشر الذي ينظمه منتدى الرمثا الثقافي بالتعاون مع وزارة الثقافة وجامعتي اليرموك وجامعة العلوم والتكنولوجيا وبعض المؤسسات الوطنية، وقد رعى حفل الاختتام العين مروان الحمود. الأمسية الختامية للمهرجان شارك فيها مجموعة من الشعراء العرب والأردنيين وهم إبراهيم الوافي - السعودية، وأحمد العواضي - اليمن، وفوزية الرادي - الجزائر - ومحمود محمد أسد و د. نزار بريك هنيدي - سوريا، وبشير رفعت - مصر، ود. علوي الهاشمي - البحرين، ونبيلة الخطيب - الأردن. المهرجان الشعري السنوي للشعر العربي يختلف عن المهرجانات الشعرية الأخرى في الأردن ذلك أنه يجوب محافظات المملكة لتفعيل الحراك الثقافي والتعريف بالشعراء العرب على اختلاف تجاربهم، والمهرجان كان لافتا للنظر من خلال المشاركات الشعرية التي نستمع إليها لأول مرة، كتجربة الشاعر السعودي إبراهيم الوافي التي نالت حضورا مميزاً ومكثفاً في أمسية الختام قرأ الشاعر السعودي إبراهيم الوافي غير قصيدة لامست بعض هموم الواقع العربي: سيدي الشنفري هل ترى ما أرى/ المساكين قالوا بأن المدينة مأهولة بالذئاب للمساء قناديله للصباح الذي لا يجيء ثلاثون باب..! ومن الجزائر قرأت فوزية الرادي قصائد قصيرة تقول في بعضها أحبائي قد تكون هذه القصيدة آخر ما أكتب إليكم آخر لقاء معكم الشاعر السوري محمود أسد قرأ جملة من القصائد الكلاسيكية يا فتنة الروح عنك الشعر منشغل يا فتنة العمر إن شيب القلب مشتعل الشاعرة نبيلة الخطيب قرأت قصيدة أهدتها إلى النساء النساء تنفست فجري وأطلقت روحي وصغت أنين الغناء سموت وقد حاصرتني الجراح ومن جانبه قرأ الشاعر المصري بشير رفعت مجموعة قصائد قصيرة مختزلة ومكثفة يحمل أطفاله والغصون فوق كتفه وينامون ويغفو واقفا يحرسهم من البشر الشاعر البحريني د. علوي الهاشمي قرأ قصيدة حاور فيها جدة فقال النخيل عراة حبة القمح تدفن أشواقها في التراب الفراشات الرصاصية انتحلت موسم الخصب فانتشرت كالثمار واختتمت القراءات الشعرية بقراءة الشاعر السوري د. نزار بريك هنيدي ومن قصيدته (الزرقة) نقرأ: لا يحب البحر، أمضى عمره في الطرقات البائسة عندها هاج به الشوق إلى زرقة عينيها. مهرجان الشعر العربي العاشر.. انتهى بذكريات حميمة وبشعراء نقشوا أسماءهم في سقف الأردن.. ليظل الجمهور الأردني المولع بالشعر على وعد معهم في نفس الموعد من العام القادم.. ولتبقى الذاكرة العربية شعرية حتى مطلع السحر.