نال أبناءُ الجزيرة العربية شهرةً فائقة بعلاقتهم الوثيقة بخيولهم، حيث يعشقونها وتعشقهم، ويهتمون بها وبنسبها، ويحرصون على ألا تختلط دماؤها بدماء غيرها من الخيول المهجّنة، وهو ما أكسب الخيل العربي الأصيل قيمة كبيرة على المستوى المادي والثقافي، حيث تتميز بالرشاقة والجمال، والكرّ والفرّ، والولاء المطلق لفارسها حتى أنها لا يمكن أن تطأه. وامتد هذا الارتباط بين أبناء الجزيرة العربية وخيولهم حتى تاريخ تأسيس المملكة، حيث امتطى الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- صهوة حصانه خلال رحلته الملحمية لتوحيد أرجاء البلاد، ليُنشئ بعدها ديواناً بمسؤولية كاملة للعناية والاهتمام بأكبر إسطبلٍ للخيول العربية، فيما واصل الملوك من بعده الاهتمام بالخيول العربية ورعايتها. وكعادتها السنوية، نظمت المملكة النسخة السادسة من بطولة «كأس السعودية» للفروسية، الذي يُعدّ أغلى وأضخم سباقٍ للخيل في العالم، بجوائز تبلغ قيمتها 38.1 مليون دولار أميركي، والذي تشارك فيه أنجب الخيول وأهم المدربين والخيالة في العالم، وأقيم على ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية في الرياض خلال الفترة من 21 إلى 22 فبراير. ووسط البطولة التي جمعت أبرع الخيّالِين في العالم، برزت الفعاليات الثقافية المصاحبة، والتي تميزت بإبراز المكانة الرفيعة للخيل العربي في الثقافة السعودية، حيث عاش الزوارُ عبر «الجناح الثقافي» الذي نظّمته وزارة الثقافة أجواءً فريدة يَغمُرُها كرمُ الضيافة السعودية الأصيلة، وتنبعث منها هوية الثقافة السعودية، وتسري فيها نغمات الموسيقى التي ابتكرتها هيئة الموسيقى كهوية خاصة بالبطولة. واستعرضت هيئة التراث في الجناح الثقافي قطعاً فنيةً مستوحاةً من الموروث الثقافي السعودي، تتمثل في ثُريّاتٍ، وسجادٍ فنيٍّ بديع، والعديد من العناصر التي تعكس أصالة الفنون التقليدية السعودية، كما عرضت هيئة المكتبات خلال مشاركتها مخطوطاتٍ تُبرز العلاقة التاريخية بين أبناء الجزيرة العربية والخيل العربي. وسلّطت وزارةُ الثقافة الضوءَ على مبادرة «عام الحِرف اليدوية 2025» التي أطلقتها بداية العام الجاري، حيث قدّمت للزوار عروضاً حية تشرح فيها تفاصيل صناعة العديد من المنتجات التقليدية، وذلك بهدف تعزيز حضور الحِرف اليدوية الأصيلة على المستوى العالمي، وتمكين الحِرفيين السعوديين من إبراز مهاراتهم وإبداعاتهم في محفلٍ دولي كهذا، مما يُسهم في حفظ الحرف اليدوية وتطويرها باعتبارها صناعةً ثقافية مستدامة. كما احتفى معرض «طيّات التاريخ» بتاريخ ملوك المملكة، مُظهِراً ارتباطَ الثقافة السعودية بالخيول والفروسية، وذلك عبر عرضه لصورٍ تاريخية، وقطعٍ أثرية، وصحفٍ نادرة، تعكس هذه الارتباط الوثيق، فيما عاش الزوار تجربةً بصرية ممتعة خلال عبورهم في «ممشى المشاهير» الذي جمع تصميمه بين الحداثة والأصالة، مع لمساتٍ معمارية تراثية تهدف لدمج الحدث الرياضي بالطابع الثقافي والفني. وجمعت «منصة العازفين» زوار البطولة ليستمتعوا بالعروض الموسيقية الحية لآلاتٍ متنوعة كالربابة، والعود، والسمسمية، والقانون، ترافقها عروض الفنون الأدائية التقليدية. وقدمت هيئةُ الأزياء مبادرتَها «100 براند سعودي»، والتي استعرضت تصاميم فريدة وإبداعية جمعت 100 علامة تجارية سعودية في مجالات الأزياء، والإكسسوارات، وقد شمل ذلك أزياء الزفاف، والملابس، والمجوهرات، والحقائب، والأحذية. كما عاش الزوار تجربة مميزة مع «مقهى هجين» -أحد أجنحة الضيافة للصندوق الثقافي-، حيث قدّم القهوة السعودية والتمر والحلا والموالح المحلية، بينما أبدع المعهد الملكي للفنون التقليدية «وِرث» بتقديمه قلادة الخيّال الفائز بالسباق المستوحاة من الهوية الثقافية للمملكة، إلى جانب جناحٍ معرفيٍّ تضمّن العديد من الأنشطة والفعاليات التفاعلية المتنوعة، وورش الفنون التقليدية المرتبطة بالفروسية.