لم يكن مستغربًا على المملكة أن تصل منصاتها الإنسانية إلى كل مكان في العالم، خاصة في الدول العربية التي تعاني من مشكلات سياسية، وحروب واقتتال داخلي، أو معاناة شعوب تلك الدول اقتصاديًا، وصعوبة وصول مقومات الحياة إليهم لأسباب كثيرة ومتعددة. ما يزيد من مكانة المملكة وقدرها، حكمتها في إدارة تلك الأمور، وكأنها تدير أزمات في مناطق قريبة منها وتعلم عنها الكثير، فمازالت قوافل الإغاثة تتوالى على لبنان وفلسطين وسوريا جوًا وبرًا وبحرًا. الأجمل في ذلك تنوع أساليب الدعم للأشقاء، فليس الدعم مجرد مستلزمات الحياة من أغذية وأدوية وملابس وأغطية، بل يشمل أيضًا مستلزمات الحياة الاجتماعية الأخرى. لفت نظري ما تداولته وسائل الإعلام المحلية والإقليمية عن فرق الأطباء السعوديين على الأراضي السورية ومستشفياتها، وتقديم خدمات علاجية راقية، وإجراء جراحات متقدمة للصم، لزراعة القوقعة السمعية. ويا لها من فرحة أن يشعر طفل بمن حوله سمعًا وحديثًا لأول مرة، بعد حالة الصمت التي غلّفت حياته منذ الولادة. حالة من السعادة والرضا رصدتها الكاميرات، وركزت على الأبعاد الإنسانية الرائعة لمن عادت إليهم حاستا السمع والكلام. من أجمل ردود الأفعال التي تظل خالدة في قلوب وعقول الفريق الطبي السعودي، ردود أفعال الأطفال الذين يسمعون لأول مرة، ثم تعلقهم بالأطباء، رغم حداثة أعمارهم التي لا تتجاوز ثلاثة أعوام. شعور رائع، ومجهود وجد الفريق الطبي صداه حبًا وتقديرًا واحترامًا من قلوب بريئة لا تعرف النفاق أو الرياء، بل يملؤها حب الحياة. وتكمن عبقرية قيادتنا في إرسال فريق طبي مكوّن من 61 طبيبًا واختصاصيًا، ضمن قافلة أرسلها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى سوريا، لدعم القطاع الصحي فيها، وإجراء العمليات الطبية الدقيقة في عدد من التخصصات. وكانت البداية ب 3 حملات تطوعية في تخصصات طبية وعامة، من أصل 104 حملات، ضمن برنامج «أمل» التطوعي السعودي. ويجري الفريق الطبي، بالتنسيق مع وزارة الصحة السورية، عمليات في جراحة العظام. برنامج «أمل» التطوعي لدعم سوريا سيستمر على مدار عام كامل، وسيتم إرسال جميع الحملات -التي تبلغ 104 حملات- تباعًا خلال الفترات المقبلة، بالتزامن مع عمليات تقييم ميداني مستمرة لتحديد مناطق الاحتياج في القطاع الصحي، وجدولة الحملات المقبلة بناءً على نتائجها. وتشمل الحملات 45 تخصصًا طبيًا وتدريبيًا، إضافة إلى برامج تعليمية وتدريبية في الإسعافات الأولية والمهن والحرف اليدوية. وتبقى المملكة من أهم الداعمين للدولة السورية وشعبها، والحريصة على وحدته وأراضيه واستقلالية قراره.. لذا كانت داعمة وبقوة لهذا الشعب، من خلال إجراء تقييم كامل لحالة القطاع الصحي في سوريا، استغرق شهرًا كاملًا، وكشف عن فجوة كبيرة فيه، إضافة إلى اكتشاف عجز في عدد من التخصصات، وزيادة قوائم الانتظار للمرضى.. ومن هنا جاء الدعم السعودي لإعادة تأهيل المنظومة الصحية، وإيفاد أطباء وكوادر مهنية عالية المستوى؛ لإحياء تلك المنظومة الحيوية.