مانع المريدي سكن في سمحان واستمر حكم أبنائه وأحفاده حتى ضُمت غصيبة شهد حكم إبراهيم بن موسى استقراراً وحضوراً سياسياً فخاطبته الدولة العثمانية الدرعية في النصف الأول من القرن العاشر الهجري إمارة مهابة تنافس القوى المحلية المجاورة استوطن الجد الأعلى للأسرة الحاكمة مانع المريدي الدرعية منتصف القرن الهجري التاسع، وتوارثت ذريته الحكم من بعده، ولم يذكر المؤرخون في أي موضع في الدرعية أقام مانع، وإنما اكتفوا بقولهم: "أن ابن درع صاحب حجر والجزعة أقطع مانعا المليبيد وغصيبة" والمعلوم أن المسافة بين المليبيد الواقع جنوب الدرعية وبلدة غصيبة، الواقعة شمالها، تبلغ خمسة كيلو مترات، للماشي مع تعرجات الوادي، وهي مسافة طويلة بمقاييس ذلك الوقت! ويصعب على مانع الذي كان ضعيف الحال حين قدومه للدرعية، ويصعب عليه بإمكاناته المتواضعة حماية هذه المساحة الكبيرة الممتدة بين الموضعين، إذن لا بد أن مانعا سكن موضعا معينا بذاته في الدرعية، تسهل حمايته فيما لو تعرض لهجوم من القوى المحيطة، إذا ما استصحبنا أن ابن عمه في حجر اليمامة (الرياض) كان بعيدا عنه نسبيا، ويصعب عليه نجدة مانع في الوقت المناسب، إذا ما استدعت الحاجة، والمتأمل في المواضع الصالحة للسكنى في الدرعية سيجدها كثيرة، وقد عمِّرت جميعها، وعددها سبعة أحياء تاريخية هي حي سمحان وحي غصيبة وحي ملوي وحي السريحة وحي الحوطة (الظويهرة) وحي البجيري وحي المريّح، ناهيك عن المواضع الزراعية القابلة للسكنى، مثل الطرفية (الروقية) والمليبيد، فأي هذه المواضع سكنها مانع؟!، إن الإجابة عن هذا السؤال -في ضوء انعدام المصادر- تقتضي الحديث أولا عن أحياء الدرعية ومواقعها الجغرافية، وأيها أنسب للسكنى. والناظر إلى مواقع الأحياء السبعة، سيجد أن بعضها محصّن تحصينا طبيعيا، والبقية تمتد في سهل فسيح يصعب الدفاع عنه، فالأحياء التي تقع في السهل الفسيح هي حي ملوي (النقيّب) وحي السريحة وحي الحوطة (الظويهرة) وحي البجيري وحي المريّح، أما الأحياء التي تقع على الهضاب، ويسهل الدفاع عنها فهي: أحياء غصيبة وسمحان والطريف، وقد ذكر المؤرخون أن ابن درع أقطع مانعا من المليبيد إلى غصيبة، وحيث أن المليبيد لا يصلح للإقامة السكنية؛ كونه يشرف مباشرة على الوادي، كما أنه يقع أسفل هضبة تعلوه؛ ما يجعل مهاجمته أمرا يسيرا، ويصعب الدفاع عنه، فقد أسهمت نقاط الضعف هذه وغيرها، في تخصيص الموضع للزراعة فقط، وإقامة مبانٍ زراعية قليلة، لم تبنَ بطريقة دفاعية؛ فلا ترى بها أبراجا أو حصونا قائمة، ولا آثارا لها ظاهرة أو مطمورة، وكل ما يشاهد مجموعة من البيوت القليلة، بنيت لتكون منافع للمشرفين على الزراعة من فلاحين وعمال وغيرهم، أما أحياء السهل الفسيح الخمسة، التي مرت معنا آنفا، فقد اضطر سكان الدرعية لسكناها اضطرارا كون المواضع المحصنة لا تكفي لجميع السكان من جهة، كما أنها بعيدة نوعا ما عن الأراضي الصالحة للزراعة، واقتضت الضرورة أن يكون الحي السكني قريبا من المزارع؛ لحمايتها من اللصوص، وقد تعرضت أحياء الدرعية في الفترات التي تلت فترة حكم مانع المريدي إلى هجمات متعددة من حكام الأحساء وربما من أشراف الحجاز أيضا؛ بسبب عدم حصانة أحيائها؛ الأمر الذي يجعل المراقب للأحداث يرجح أن مانعا سكن في موضع يصعب غزوه واحتلاله، وعليه فلم يبقَ أمامه ومن تلاه من الحكام من ذريته، إلا ثلاثة مواضع محتملة هي: هضبة غصيبة وهضبة سمحان وهضبة الطريف. هضبة الطريف وحي غصيبة أما هضبة الطريف فالثابت أنها لم تعمر إلا في بداية عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله-، بعد أن تزايدت الهجمات على حي سمحان -كما سيأتي بيانه-، وأصبح سمحان مكشوفا أمام الأعداء[7] وباتت الضرورة لإقامة حي سياسي محصن أمرا ملحا، وأما حي غصيبة، فرغم أن المصادر لا تسعفنا حول زمن نشوئه أو انضوائه تحت حكم مانع وذريته، إلا أنه يمكن استنتاج ذلك من استقراء الأحداث التي وقعت في الدرعية عامة، وموضع غصيبة على وجه الخصوص؛ ليظهر لنا أن الحي ربما سمي غصيبة بعد اغتصابه من قبل حفيد مانع موسى بن ربيعة بن مانع المريدي، عندما ذكر المؤرخون هجومه بمن معه من المردة والموالفة على النعمية الواقعة شمال غصيبة، وأخرج منها سكانها الأوائل وهم آل يزيد العائذيون الذين من بقاياهم آل دغيثر، وبهم كان يسمى حي غصيبة في في أحايين كثيرة، وما دام أن مانعا لم يسكن حيي غصيبة ولا الطريف، فلم يتبقَ سوى حي سمحان، الذي هو أكبر أحياء الدرعية ويشرف على الوادي والمزارع من ثلاث جهات ومن السهولة تحصين جهته الرابعة، ببناء سور عال، وهذا ما حصل؛ فالذي يرويه كبار السن في الدرعية أن الرأس الشرقي من حي سمحان؛ المسمى (ظهرة الشعراء) كان قديما يحوي قصورا طينية ضخمة، أزيلت بعد التوسع العمراني منذ نحو ثمانين سنة. ومن الاستعراض السابق لحال أحياء الدرعية السبعة، يتبين أن الراجح أن عاصمة إمارة مانع المريدي كانت في حي سمحان[10]، واستمر حكم ذريته من بعده في الموضع ذاته إلى عهد حفيده موسى بن ربيعة، حينما بدأ الحي يضيق بسكانه، فرأى أنه لا بد من التوسع شمالا للوصول إلى الأراضي الخصبة والينابيع الجارية في بطن الوادي، فدخل في صراع مع آل يزيد العائذيين الذين كانوا يحكمون شمال الدرعية إلى العيينة. الصراع على حكم الدرعية بدأت مظاهر الصراع بين ذرية مانع مبكرا؛ عندما حاول موسى بن ربيعة اغتيال والده وسلب الحكم منه، فجرحه عدة جروح غير قاتلة، فهرب منه إلى العيينة لاجئا عند حمد بن حسن بن طوق؛ وبفرار ربيعة استقر الحكم لابنه موسى، الذي يبدو أن سبب تآمره على والده، اختلافهما حول ضرورة التوسع شمالا إلى مواضع نفوذ آل يزيد، وما أن تولى موسى الحكم حتى بدأ التحضير لمهاجمة آل يزيد في غصيبة، واتفق مع قومه المردة وما ائتلف معهم من حلفائهم (الموالفة) على شن هجوم مباغت في الصباح المبكر على آل يزيد، نتج عنه اغتصاب عاصمتهم (غصيبة) -كما يفهم من تحليل الاسم- وباحتلال غصيبة وطرد من تبقى من آل يزيد، امتد نفوذ إمارة المردة شمالا بقيادة الحاكم الجديد موسى بن ربيعة ليضم سمحة (قرية العودة) والنعمية (قرية العِلب) والوَصِيل وصولا إلى تخوم بلدة الجبيلة؛ حيث تبدأ حدود إمارة حاكم العيينة حسن بن طوق، وبعد هذا التوسع المهم إلى الشمال، أصبحت الدرعية في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، إمارة مهابة الجانب، تنافس القوى المحلية المجاورة. توفي موسى بن ربيعة، وترك لابنه إبراهيم -الذي تولى الحكم بعده- إمارة قوية، نعمت بالاستقرار السياسي؛ فانعكس ذلك على الرخاء الاقتصادي في إمارته، الأمر الذي جعلها تشرف بكل اقتدار على قوافل الحج العثماني والفارسي والأحسائي، وتُيسر لتلك القوافل المرور في مناطق نفوذها، وتقدم لها الخدمات والحماية اللازمة. مخاطبة القوة العظمى ولا أدل على مكانة الأمير إبراهيم وعلو شأنه من مخاطبة القوة العظمى آنذاك له مباشرة عام 981ه ضمن من خاطبتهم من حكام العارض والخرج، وطلبها منه تسهيل مرور قوافل الحج المارة بإمارته عبر وادي حنيفة، واصفة إياه بشيخ الدرعية وصاحب قلعتها ولم تكن الدولة العثمانية آنذاك تنظر لنجد نظرة ترقى إلى مستوى نظرتها لبقية أجزاء الجزيرة العربية، لكن حاجتها لحاكم قوي يحمي قوافلها، فرضت عليها مخاطبة صاحب قلعة الدرعية مع غيره من شيوخ نجد المذكورين في الوثيقة، وفرضت قوة شخصية إبراهيم بن موسى وعلاقاته بالقوى المحلية والإقليمية، على أبنائه خشيته واحترامه، فنبذوا خلافاتهم، أو لنقل أجّلوها إلى حين؛ إذ لم تذكر المصادر حدوث صراع داخل إمارته، وربما أن ما عزز ذلك أن المصادر لم تذكر له إخوة ينافسونه على الحكم، وما أن توفي إبراهيم بن موسى، حتى خلفه ابنه الأكبر مرخان، ومع تولي مرخان الحكم، بدأت الخلافات تدب بينه وأشقائه (عبدالرحمن وسيف)، ولما رأى مرخان أن الخلاف قد أثر في استقرار الإمارة، أجبر إخوته على مغادرة الدرعية برفقة أسرهم، فغادر عبدالرحمن وذريته إلى ضرما وجَو، وآل سيف غادروا إلى أبي الكباش ومنهم آل يحيى، أما شقيقهم الثالث عبدالله، فسكت عنه ابن بشر، ولم يحدد ما حصل لذريته، لكنه ذكر منهم آل وطيب وآل حسين وآل عيسى وغيرهم، والذي يفهم من بقاء آل حسين في الدرعية إلى زمن الدولة السعودية الثالثة، وعدم مغادرتهم كغيرهم، أن جدهم عبدالله، كان صغيرا حينها، ولم يكن يشكل خطرا، فبقي وبقيت ذريته، ولاية محمد بن سعود للدرعية وسيمر معنا في الأحداث التي أعقبت وفاة مرخان ما يفيد بانقسام الحكم في الدرعية إلى إمارتين إحداهما تسمى إمارة الدرعية وحكمتها ذرية ربيعة بن مرخان، والأخرى إمارة غصيبة، وحكمتها ذرية مقرن بن مرخان، إلى عام 1139ه عندما "تولى محمد بن سعود ولاية الدرعية كلها ومعها غصيبة، وذكر المنقور في تاريخه أن وطبان بن ربيعة ملَك علو الوادي في سنة 1065 ه، ويلحظ أن المنقور لم يسمِ موضع حكم وطبان بالدرعية؛ كونه معلوما بداهة، وإنما قصد أن وطبان أضاف للدرعية موضعا جديدا بأعلى الباطن؛ أي شمال البلدة، وضمه لحكمه، وهذا الموضع بلا شك هو غصيبة، وذكر الحادثة ابن ربيعة وابن بشر، ونصا أن الموضع هو غصيبة ، كما يتضح بداهة أن والد وطبان، ربيعة بن مرخان توفي في ذلك العام، بعد فترة حكم بلغت ستا وعشرين سنة، ولم يشر المؤرخون إلى حادثة وفاة ربيعة، وما إذا كانت نجمت عن اغتيال، أو أنها وفاة طبيعية، والأقرب الأخيرة؛ لعدم ذكرهم لها، أما آل مقرن فإن الأحداث التي ذكرها ابن بشر لاحقا، تكشف لنا أن مرخان خلف والده مقرن على حكم غصيبة، في وقت سابق لعام 1065ه؛ فقد ذكر ابن بشر في أحداث عام 1065ه قتل وطبان بن ربيعة ]حاكم سمحان [ لابن عمه مرخان بن مقرن ]حاكم غصيبة[ وضمه غصيبة إلى حكمه، وأصبح حاكما للدرعية كافة؛ أي أن وطبان ما أن تولى الحكم حتى طمع في ملك آل مقرن؛ فقتل مرخان، الذي لا بد أنه كان حينها قد سبقه في الحكم في إمارة غصيبة، وبقتل وطبان لابن عمه مرخان تجدد الصراع بين فرعي الأسرة الحاكمة، بعد أن كان هادئا طوال الفترة التي سبقت الحادثة، لكن الصراع اللاحق لمقتل مرخان، لم يصل لحد تجدد الاغتيالات؛ فالمراقب لسياق الأحداث اللاحقة، يتبين له أن أحد شروط تنازل آل مقرن عن دم مرخان ونزع بذور الفتنة، أن يتنازل وطبان بالحكم لابنه أحمد ويغادر الدرعية فورا، أو أنه هرب حفاظا على روحه وبمغادرته أو هربه، عاد حكم غصيبة لآل مقرن، وهو ما يتضح جليا عند تحليل الأحداث التي أعقبت الحادثة؛ فقد ذكر ابن بشر في حوادث عام 1084ه مقتل "أميرا" الدرعية أحمد بن وطبان [بن ربيعة] وناصر بن محمد ]بن مقرن ] وفي ذلك دلالة على أن الدرعية آنذاك يحكمها أميران، وأن عودة الحيين إلى سابق عهدهما قبل ضم وطبان لغصيبة، قد جرى بالتراضي بين فرعي الأسرة. حكم غصيبة وتولى حكم غصيبة محمد بن مقرن بن مرخان، بعد مقتل ابنه ناصر مع حاكم سمحان أحمد بن وطبان، في الحادثة التي ذكرها ابن بشر آنفا، لكنه لم يذكر سبب مقتل الأميرين معا، وتظهر الأحداث أن الحكم في غصيبة كان مستقرا لمحمد بن مقرن، ولم يعكر صفوه أي حدث مهم إلى أن توفي وفاة طبيعية عام 1106ه بعد فترة حكم دامت اثنين وعشرين عاما، وهي فترة طويلة نسبيا، في ظل فترات الصراع الداخلي التي شهدتها الدرعية، وكان الأمر مغايرا في سمحان لما كان عليه الوضع في غصيبة؛ فبعد مقتل أحمد بن وطبان عام 1084ه خلفه أخوه مرخان، وساد الهدوء النسبي فترة حكمه التي امتدت سبع عشرة سنة، إلى أن اغتاله أخوه إبراهيم عام 1101ه ولم يدم الحكم طويلا لإبراهيم؛ فقد قتله حاكم الرياض يحيى بن سلامة أبا زرعة عام 1106ه وتولى بعده أخوه إدريس بن وطبان، وهكذا شهد هذا العام وفاة حاكمي غصيبة وسمحان. وبعد وفاة محمد بن مقرن شهدت غصيبة فراغا سياسيا استمر لمدة عام تقريبا؛ وبعد أن تغيرت الأحداث في سمحان بمقتل أميرها إدريس عام 1107ه [28] على يد سلطان بن حمد القبس، الذي استغل الفراغ السياسي في الحيين، فضمهما جميعا، وأصبح حاكما للدرعية كافة لمدة ثلاثة عشر عاما، إلى أن قُتل عام 1120ه وتولى بعده أخوه عبدالله الذي لم يهنأ طويلا بحكم الدرعية؛ إذ ما لبث أن قُتل هو الآخر بعد مضي بضعة أشهر، وتولى مكانه موسى بن ربيعة بن وطبان حاكما للحيين سمحان وغصيبة، اللذين كان يحكمها معا عبدالله القبس، وبحكم موسى بن ربيعة عاد حكم الدرعية لذرية مانع بعد أن غاب عنهم أربع عشرة سنة، إثر مقتل إدريس بن وطبان، والذي يظهر أن آل مقرن رضوا بتولي موسى بن ربيعة حكم الدرعية كافة؛ إذ لا تذكر المصادر منافسا له في الحكم، كما لم تذكر المصادر من كان يحكم الدرعية عندما هاجم أحياءها حاكم الأحساء سعدون بن غرير عام 1133ه! فقد اتسمت تلك الفترة بشح المعلومات، ويبدو أنها لم تشهد أحداثا كبيرة تستحق ذكرها، غير مهاجمة سعدون للدرعية! الوقائع في الدرعية لم تذكر الوقائع في الدرعية طوال الفترة التي أعقبت حكم موسى بن ربيعة، ثم يفاجئنا ابن بشر بذكر وفاة سعود بن محمد بن مقرن ليلة عيد رمضان عام 1137ه، واصفا إياه برئيس الدرعية! ولا يُعلم متى تولى سعود حكم الدرعية، ولا ماذا حصل لحاكمها موسى بن ربيعة، ويعود ابن بشر ليذكر موسى بن ربيعة مرة أخرى في أحداث عام 1139ه واصفا إياه بصاحب الدرعية، إلا أنه ذكر أنه كان جلويا عند محمد بن معمر أمير العيينة وقتل في حادثة اغتيال ابن معمر لأمير الدرعية زيد بن مرخان! ما يعني أن موسى خُلع من إمارة الدرعية ولجأ عند أمير العيينة خلال أحد أعوام الفترة التي بدأت بتوليه الحكم بعد عبدالله القبس عام 1121ه إلى العام 1137ه الذي توفي فيه سعود بن محمد بن مقرن وذكر أنه رئيس الدرعية، والذي يظهر من سياق الأحداث، أن سعود بن محمد بن مقرن قد انتهز إحدى فترات ضعف موسى بن ربيعة وخلعه من حكم الدرعية وفرض عليه الجلاء عنها، وتولى الحكم نيابة عنه، وتم ذلك برضى آل وطبان؛ بحيث يتم حكم الدرعية بشطريها بالتناوب بين آل وطبان وآل مقرن، وهو ما حصل لاحقا عندما تولى زيد بن مرخان بن وطبان الحكم بعد وفاة سعود عام 1137ه ، وأورد ابن عباد في حوادث عام 1132ه خبر قتل ابن سعود! ولم يفصل في هوية الرجل ولا منصبه إلا أن رصد ابن عباد لوفاة الرجل في تاريخه، تدل على أنه ذو شأن في الدرعية! لكن التواريخ النجدية لم تذكر الحادثة في تلك السنة! فهل كانت خلع سعود بن محمد بن مقرن لموسى بن ربيعة وجلائه للعينة، ضمن أحداث كثيرة وصلت مشوشة لابن عباد؛ فظن أن سعودا هو الذي قُتل أو أن الشيخ عثمان بن منصور -عفا الله عنه- حين نقل مخطوط تاريخ ابن عباد قد صحّف أو تصرف في النص، كما ينسب عنه من قبل الباحثين ويلحظ هنا أن ابن عباد كان معاصرا للحادثة؛ الأمر الذي يضفي على ما ذكره أهمية كبيرة؛ وعليه فإن ولاية سعود بن محمد بن مقرن على الدرعية ربما أنها بدأت في تلك السنة؛ إذا ما استصحبنا في تحليل الحادثة ما ورد لدى ابن خميس من إشارة تعزز هذا التصور؛ حين ذكر أن أهل الدرعية ثاروا على موسى بن ربيعة عام 1132ه بمساعدة سعود بن محمد بن مقرن، فأقيل من الإمارة ونفي إلى العيينة، مستجيرا بحاكمها، إلى أن قتل في حادثة سنة 1139ه، لكن ابن خميس لم يذكر مصادره في تحديد سنة خلع موسى ابن ربيعة، ونجم عن التراضي بين آل وطبان وآل مقرن على حكم الدرعية، سيادة الهدوء في البلدة طوال فترة حكم سعود، واستمرارها بعد وفاته وانتقال الحكم لآل وطبان؛ بتولي زيد بن مرخان بن وطبان عام 1137ه، لكن فترة انطفاء نار الصراع بين آل وطبان وآل مقرن لم تدم طويلا؛ إذ يذكر ابن بشر في حوادث عام 1139ه خلافا كبيرا بدأ قبل هذه السنة، وقع بين مقرن بن محمد بن مقرن، ووصفه بصاحب الدرعية! وزيد بن مرخان حاكم الدرعية، وفي هذا دلالة على أن حكم الدرعية قد عاد للانقسام مرة أخرى، فحكم زيد بن مرخان سمحان وما حوله، وحكم مقرن بن محمد بن مقرن -شقيق سعود حاكم الدرعية السابق- غصيبة وما حولها؛ أي أن حكم الدرعية كافة لم يدم لزيد بن مرخان طويلا، وعادت غصيبة لحكم آل مقرن مستقلة عن إمارة آل وطبان. ويكشف سياق الأحداث التي أعقبت محاولة اغتيال زيد بن مرخان في تلك السنة، أن زيدا استمر يحكم سمحان، ومحمد بن سعود تولى حكم غصيبة خلفا لعمه، ويتضح ذلك جليا في تفاصيل حادثة مقتل زيد بن مرخان في بيت محمد بن حمد بن معمر أمير العيينة، عندما لاحظ بوادر توسعية لدى زيد بن مرخان، وخاف أن يستولي على العيينة؛ فاحتال عليه ودعاه، واعدا أن يعطي زيدا ما يرضيه من المال؛ فسار إليه زيد يرافقه محمد بن سعود بن مقرن؛ ومرافقة محمد بن سعود لزيد تقتضي أنه كان حاكما أو شيخا على غصيبة آنذاك؛ إذ لو كان الحاكم أحدا غيره، لرافق زيدا بدلا من محمد بن سعود، وهكذا وقعت حادثة اغتيال زيد مع ابن عمه موسى بن ربيعة، الذي كان لاجئا في العيينة -كما مر معنا- واستطاع محمد بن سعود أن يخرج من الحادثة سالما، بأمان عمة أمير العيينة الجوهرة بنت ابن معمر، ويواصل ابن بشر رواية الحادثة، مشيرا إلى أن محمدا بن سعود بعد أن نجا من محاولة الاغتيال عاد إلى الدرعية بمن معه من أصحابه، "واستقل بولاية الدرعية ومعها غصيبة"، وفي هذا النص دلالة أخرى على أن محمدا بن سعود كان حاكما لغصيبة وقت مرافقة زيد، وإلا لما رضيت الأسرة الحاكمة بفرعيها، بل وأهل الدرعية كافة، أن يتولى الحكم وهو لا يملك الخبرة والثقل السياسي! ويكشف لنا نص ابن بشر السابق، ونص ابن عباد أيضا، حين قال "وقتل ابن سعود عمه وشاخ في كل الدرعية"، أن البلدة كانت تحكمها إمارتان منفصلتان، واستطاع محمد بن سعود أن يوحدها في إمارة واحدة، واستمرت هكذا إلى أن حدث اللقاء بين الإمام محمد بن سعود وإمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- عام 1157ه، ولم يعد لآل وطبان ذكر في الدرعية بعد حادثة اغتيال زيد بن مرخان عام 1139ه؛ الأمر الذي يعزز فرضية أن محمد بن سعود قد رأى أن الصراع بين آل وطبان وآل مقرن لن ينتهي ما دامت ذرية الفرعين تسكنان بلدة واحدة؛ فأجلى آل وطبان جميعا من الدرعية وبجلائهم انتهى الصراع على الحكم في الدرعية إلى الأبد. إضاءات على الفترة السياسية الغامضة في الدرعية قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى (850 ه - 1139ه) إضاءات على الفترة السياسية الغامضة في الدرعية قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى (850 ه - 1139ه)