أكد الخبير والباحث في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية والبحوث الأمنية الدكتور هشام الغنّام على أهمية تعريف الأمن الفكري بشكل دقيق، وذلك خلال مشاركته في جلسة "الأمن الفكري والأيديولوجيا السلبية: متغيرات وحلول" في المنتدى السعودي للإعلام. وقال د.الغنّام إن الأمن الفكري لا يعني تقييد الفكر أو فرض قيود على حرية التعبير، بل هو آلية تهدف إلى حماية المجتمع من الأفكار المتطرفة والضارة التي قد تهدد استقراره الاجتماعي والسياسي، مضيفًا: "نحن في المملكة حريصون على إطلاق الأفكار والمبادرات الإبداعية، وهذه المبادرات تتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تدعو إلى الإبداع وتحرر الفكر داخل مجتمعنا، ولكن في الوقت نفسه، نحرص على ضبط الخطاب العام بما لا يتعارض مع قيمنا الاجتماعية والقانونية". وأشار إلى أن محاربة الأيديولوجيات المتطرفة لا يمكن أن تتم دون تقديم سردية فكرية مقابلة ومشروع فكري بديل، محذرًا من أن محاربة الأفكار السلبية دون توفير بديل مقنع قد تؤدي إلى دفع الأفراد نحو زوايا مظلمة، حيث تزداد قوة تلك الأيديولوجيات، مستشهدًا بتأكيد يورغن هابرماس على أنّ محاربة التطرف دون مشروع فكري موازٍ لن يؤدي إلا إلى تعزيز الأيديولوجيات السلبية. ولفت د.الغنّام إلى أنّ الخطابات المتطرفة في الماضي كانت تعتمد على تفاصيل دينية وفكرية معقدة، وكانت موجهة إلى النخب والمجتمعات المغلقة، أما اليوم، فإن هذه الخطابات أصبحت أكثر سطحية وموجهة بشكل مباشر إلى عموم الناس، ما يجعلها أكثر خطرًا في العصر الرقمي، مضيفًا: "قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، كانت الخطابات المتطرفة تحتاج إلى تفسير معمق، أما الآن فهي أبسط وأكثر انتشارًا، وهو ما يزيد من صعوبة السيطرة عليها". وحول التحديات التقنية الحالية، أشار د.الغنّام إلى أهمية التصدي لظاهرة "التزييف العميق" (Deepfake) وتزوير المحتوى عبر الذكاء الاصطناعي، لافتًا إلى أنّ شركات وسائل التواصل الاجتماعي قد تراجعت عن مسؤوليتها في ضبط المحتوى المضلل، مما ألقى عبئًا أكبر على الأفراد والحكومات، مشددًا: "هذه مسؤولية ضخمة علينا أن نتحرك لمواجهتها بشكل استباقي، وإذا استمرينا في الدفاع فقط، سنجد أنفسنا في أماكن لا نريد أن نكون فيها". وأكد د. الغنّام على أنّ الحل يكمن في تبني استراتيجيات فكرية وتقنية شاملة لمكافحة الفكر المتطرف، من خلال تعزيز المشاريع الفكرية البديلة، وتطوير أدوات تقنية لمكافحة المعلومات المضللة، والوعي المجتمعي بكيفية التعامل مع الخطابات السلبية في العصر الرقمي.