أحدث أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق الجزء الأكبر من المساعدات الخارجية صدمة في المجال الإنساني، مهددا بعمليات تسريح واسعة النطاق في العديد من المنظمات غير الحكومية واحتمال تدمير أخرى بالكامل. وقبل أقل من أسبوع على عودة ترمب إلى السلطة، أبلغت "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (يو إس أيد) المنظمات غير الحكومية بأنه سيتعيّن تعليق عملياتها فورا نظرا إلى تجميد الإدارة الجديدة ميزانياتها. وأمر الرئيس الأميركي بمراجعة مدتها 90 يوما ل"يو إس أيد" التي تدير برامج صحية وطارئة في حوالي 120 بلدا، بما فيها تلك الأكثر فقرا. ويقود الحملة حليفه الملياردير إيلون ماسك الذي تباهى بتضييق الخناق على "يو إس أيد". وأصدرت إدارة ترمب إعفاءات لبعض المساعدات "المنقذة للحياة" بينما شمل التجميد أيضا استثناء للتمويل المخصص لمصر وإسرائيل. لكن ما زال هناك إرباك بشأن الكيفية التي سيتم من خلالها تطبيق هذه الإعفاءات فيما تؤثر الضبابية على الوضع الميداني في عدد من الدول. وقال مصدر في منظمة غير حكومية في كينيا إن قرار وقف العمل جاء "كالقنبلة". وطلب المصدر عدم الكشف عن هويته خشية معاقبة إدارة ترمب منظمته الخيرية. وأفاد العامل في مجال الإغاثة بأن القرار "أثار ذعر الناس"، مشيرا إلى أن الموظفين لم يحصلوا على فرصة للتأقلم مع الواقع الجديد نظرا لعدم وجود مهلة زمنية لتطبيق القرار. تم فورا إعطاء الموظفين إجازة إلزامية غير مدفوعة ولم يعد بإمكان المنظمة دفع إيجاراتهم أو رواتبهم، على قوله. وسأل بصدمة "ما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة لمن لديهم أطفال؟". وبحسب "شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء" ALNAP، تم توظيف أكثر من 630 ألف شخص في قطاع المساعدات عام 2020، أكثر من 90 منهم من الموظفين المحليين. بالنسبة للعديد من الموظفين المحليين، فإن قرار الولاياتالمتحدة سيؤدي إلى البطالة في بلدان تعد اقتصاداتها هشة وحيث يمثل العثور على وظيفة أخرى مهمة مستحيلة. وتطال التداعيات أيضا الأجانب العاملين في وكالات الإغاثة. وقالت عاملة في المقر الأوروبي لمنظمة غير حكومية تمولها الولاياتالمتحدة "أبلغنا جميع من يعولون على موازنات الولاياتالمتحدة بأنه تم تعليق مهامهم مؤقتا". وقالت طالبة عدم الكشف عن هويتها إن التداعيات على المغتربين هي أنهم "يضعونك في الطيارة ويعيدونك إلى بلادك". والفرق، بحسب قولها، هو "أنه لا مقر إقامة لديك" نظرا إلى أن العديد من المغتربين العاملين في مجال الإغاثة يتنقلون من مهمة لأخرى ولا مقر لديهم يقيمون فيه في بلدانهم الأصلية. وتدير "يو إس أيد" موازنة قدرها 42,8 مليار دولار تمثل 42 في المئة من المساعدات الإنسانية الموزعة في العالم. وقالت إنه سيتعين على المنظمات غير الحكومية "تسريح الموظفين بما يتناسب مع اعتمادهم على التمويل الأميركي". وأضافت "إذا اعتمدت منظمة غير حكومية بنسبة 60 في المئة على يو إس أيد، فسيتعين عليها تسريح 60 في المئة من موظفيها. إذا اعتمدت بنسبة 40 في المئة، فسيتعين عليها تسريع 40 في المئة". وتابعت أن "التعويض عن خسارة الأموال الأميركية سيكون أمرا مستحيلا". وأفاد المجلس النروجي للاجئين الذي يعد من بين أكبر وكالات الإغاثة في العالم، بأنه أُجبر فجأة على تعليق "العمل الإنساني العاجل والممول أميركيا لمئات آلاف الأشخاص في نحو 20 بلدا متأثرا بالحروب والكوارث والنزوح". جاء أقل بقليل من 20 في المئة من تمويله (150 مليون دولار) من الولاياتالمتحدة العام الماضي، مقدما دعما حيويا ل1,6 مليون شخص. وأعلنت منظمة "نورسك فولكيليب" النروجية غير الحكومية المتخصّصة في إزالة الألغام في جميع أنحاء العالم، أنّها ستخفّض قوتها العاملة بأكثر من النصف وستستغني عن خدمات 1700 موظف في 12 دولة بسبب الخطوة الأميركية. وقال الأمين العام للمنظمة رايموند يوهانسن في بيان إنّ "زوال أكثر من 40 في المئة من التمويل المخصّص لإزالة الألغام وللتخلّص من المواد المتفجّرة، بين ليلة وضحايا، أمر مأساوي بالنسبة إلينا وإلى عملنا". وأضاف "لكن الكلفة الأعلى يدفعها الأطفال والمزارعون والمجتمعات المحلية المتضرّرة من الألغام في جميع أنحاء العالم". وبينما كان من المقرر أن يستمر تجميد التمويل الأميركي المبدئي 90 يوما، بدأت الإدارة بالفعل خفض عدد العاملين لدى "يو إس أيد"، فيما يخشى كثيرون في قطاع المساعدات تراجعا كبيرا في الدعم الأميركي. وتعهّد ترمب وماسك علنا إغلاق "يو إس أيد" تماما. وقال رئيس "سوليداريتيه إنترناسيونال" التي تحصل على 36 في المئة من تمويلها من الولاياتالمتحدة كيفن غولدبرغ "لا نعاني من الهشاشة إلى حد يدفع للانهيار في غضون 90 يوما. المشكلة هي، هل سيدوم الأمر 90 يوما أم أنه سيستمر فترة أطول بكثير؟". وأضاف أن الشركاء المحليين للمنظمات الدولية غير الحكومية "الذين يعتمدون على قدرتنا على نقل جزء من المساعدات الأميركية المخصصة لنا" سيعانون أيضا. وعبر عن "قلقه على السلسلة البشرية بأكملها". وأفاد رئيس منظمة "ميدسان دو موند" جان فرنسوا كورتي "العديد من الافرقاء في قطاع المساعدات سيختفون" بسبب تراجع التمويل الرسمي الأوروبي أيضا. وقال إن القرار الأميركي بمثابة "ثورة كارثية" بالنسبة للنظام البيئي الإنساني الذي "يُخنق حتى الموت". وعبرت الرئيسة التنفيذية بمنظمة أخرى دولية غير حكومية عن خشيتها من أن تكون لأسلوب ترمب "الوحشي" تداعيات في أوروبا حيث تزداد هيمنة الأحزاب اليمينية المتشددة التي تستلهم من الرئيس الأميركي، وقالت "إنه زلزال.. يدفعنا لإعادة النظر في كل شيء".