ما يقدم في الملف الصحي بالمملكة جدير أن يحظى بالتقدير والثناء للقيادات الحكيمة التي خططت، والقيادات التنفيذية التي تحملت المسؤولية، وتنفذ وتحقق النجاحات المتوالية، مما يؤكد على وجود تغيير في "الفكر الصحي" لدى القيادات الصحية. التحول في القيادة الفكرية يؤكد على ما يحدث من تطوير في منظور القادة بالقطاع الصحي تجاه التعامل مع الرعاية الصحية، بابتعادهم عن التقليدية التي تركز على العلاج والبحث عن أدوية للأمراض فقط، إلى نظرة أشمل تركز على الوقاية، والتعليم الصحي، وتعزيز نمط الحياة، والتعامل مع الأمراض المزمنة بشكل دقيق، ويمثل تلك النقلة تحولاً في استيعاب الابتكارات الطبية مثل الطب عن بُعد، التقنيات الحديثة في التشخيص والعلاج، والذكاء الاصطناعي. ويبقى هنا دور المواطن في استيعاب المتغيرات والتكيف معها، فالفكرة هنا هي أن التغيير الحقيقي لا يتم إلا إذا تعاون المواطن مع الخطط الحكومية، بل وأخذ دوراً نشطاً في التصدي للتحديات الصحية، فالمواطن شريك أساسي في التحولات الصحية، سواء في الوقاية من الأمراض المزمنة أو في اتباع الإجراءات الوقائية الموصى بها، مثل فحوصات الكشف المبكر عن السرطان، أو تغيير سلوكيات الحياة اليومية لتفادي أمراض مثل السكري أو أمراض القلب. يمكننا التأكيد على أهمية التعاون المشترك بين وزارة الصحة والمواطنين في تحسين المستوى الصحي العام، سواء من خلال التثقيف الصحي أو البرامج الصحية التوعوية، دور المواطن هنا يتعدى مجرد الاستجابة للإجراءات، بل يشمل التعاون في الأنشطة المجتمعية، مثل المشاركة في حملات التوعية الصحية، وأيضاً تقبل التوجيهات والإرشادات الصحية بشكل إيجابي. في تقديري؛ نجاح وزارة الصحة في خفض الوفيات من الأمراض المزمنة وحوادث الطرق يُعد إنجازاً استثنائياً، ويعكس التزامها بتوفير بيئة صحية آمنة، ومع ذلك، يظل نجاح هذا الإنجاز مرهوناً بالقدرة على تغيير الفكر الصحي لدى القيادات الصحية لتكون أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع من جهة، وأكثر قدرة على استثمار التقنيات الحديثة وطرق الوقاية المبتكرة، كما أن دور المواطن في استيعاب المتغيرات والتكيف معها لا يقل أهمية، حيث يعد التزام المواطن بالصحة العامة وتبني الأنماط الصحية الجديدة أساساً في الوصول إلى مجتمع صحي، وهذا التفاعل المشترك بين الحكومة والمواطن هو ما يجعل الرؤية الصحية الجديدة قابلة للتحقيق على المدى الطويل. ومن أجل تغيير الفكر الصحي لدى القيادات الصحية، يجب أن يكون هناك برنامج مستمر للتعليم والتدريب، ويتعين على القيادات الصحية أن تكون على دراية بالممارسات المتميزة في المجال الصحي، كما يجب العمل على إدارة الأنماط الحياتية، مثل تحسين التغذية العامة، زيادة الوعي بمخاطر السمنة، وتعزيز اللياقة البدنية للمواطنين. وتظل نقطة عالقة، تتمثل في الشفافية، لإطلاع الرأي العام، والمهتمين بالقطاع الصحي، والممارسين الصحيين، على ما يتعلق بمستقبل المنظومة القادم في التشغيل والحوافز، وديناميكية الأجور، وغير ذلك. إننا جميعاً مع التحول الصحي، ونثمّن الجهود المخلصة التي تتم لإنجاح المنظومة الصحية، ولكننا في حاجة ماسة إلى وضوح الرؤية، وإتاحة المعلومات، والشفافية المطلقة.