وسط حضور مُميّز من الأدباء والمثقفين، يتقدّمهم معالي الدكتور فهد السماري، المستشار بالديوان الملكي، ومعالي الوزيرين الدكتور عبدالعزيز خوجه، والأستاذ إياد مدني، دشّنَ النادي الأدبي الثقافي بجدة، فعاليات الدورة الحادية والعشرين من مُلتقى قراءة النص، الذي خصصه النادي لمناقشة موضوع "التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية"، مُحتفيًا في منصة التكريم بالأديب المدوّن الأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي. وأكد رئيس مجلس إدارة "أدبي جدة" الدكتور عبدالله عويقل السلمي في كلمة الافتتاح على أن نادي جدة الأدبي أثبت للزمن أنه سيظلُ شجرةً ريّانة الأفرع ريّا الأماليد، دائمة الخضرة منذ أن وضع بذرتها العواد وضياء كما أشار للشخصية المكرمة في الملتقى محمد بن عبد الرزاق القشعمي لافتاً بأنهم في النادي أدركوا العلاقة الوثيقة بين القشعمي وعنوان الملتقى وموضوعه، فهو عرف النادي وعرفه النادي فحضوره في المشهد الثقافي دائم، وطرحه ورأيه مؤثر، وأضاف السلمي أن ملتقى قراءة النص دأب على حسن اختياره للموضوعات التي يتناولها في كل دورة، بجانب تكريمه للرموز الأدبية والفكرية في بلادنا من خلال اختياره لشخصية تكون مدار التكريم والحفاوة، مما جعله علامة فارقة في مشهدنا الثقافي، ليس على المستوى المحلي فقط؛ بل والعربي أيضًا. كما شهد الحفل كلمة لمعالي الدكتور فهد السماري، المستشار بالديوان الملكي نوه فيها بأننا نقف أمام مرحلة للذاكرة، وابتلاع ما فيها من تحولات، ووجب التركيز عليها وتطويرها، معتبراً أن الشخصية المكرّمة مثال للعمل الشفاهي غير السهل الذي يمسُ الانسان والرواية؛ فمما يميّز القشعمي أنه لم يكن يعمل في كل حقل، وإنّما خرج علينا بمرحلة جديدة في التاريخ الشفوي، وإبراز جهود شخصيات عدة ساهمت وأنجزت، فكان أن أخرجها للنور، مما يجعلنا نصفه بالعمل الإبداعي الذي تولد من محبة وشغف. وأثنى السماري على مكتبة الملك فهد الوطنية التي حظيت بأرشيف ذا قيمة عالية شاملًا أنحاء المملكة العربية السعودية مضيفاً بأننا أمام مشروعات تعنى بالتوثيق وكانت مكتبة الملك الوطنية خير معين لذلك، ويأتي دور محمد القشعمي مهمًا هنا، متربعًا على هذا العمل ومنفردًا به، ونحن أمام مرحلة للاعتناء بهذه الروايات ووجوب العمل عليها أكثر، وصناعة مرحلة جديدة لهذا العمل الشفاهي. عقب ذلك شاهد الحضور فيلمًا وثائقيًا عن الأديب القشعمي، الشخصية المكرمة، كشف عن العديد من جوانبه وإنجازاته الأدبية، وجهوده في التوثيق والتدوين، وبخاصة اهتمامه بتقييد الأدب الشفاهي، وتدوينه في مؤلفات مقروءة.. عقب ذلك تم تكريم القشعمي، الذي ارتجل كلمةً جاء فيها: لا أملكُ إلا أن أشكركم غاية الشكر على تفضلكم باختياري الشخصية المكرمة في هذا الملتقى الحادي والعشرون لعام 2025م "التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية). فشكرًا لمن أحسن الظن بي وخصني بهذا التكريم".. فعندما اتصل بي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي رئيس نادي جدة الأدبي ناقلاً لي ما قرره مجلس إدارة النادي وغيره، وبعد أن مهد لذلك بعض الأصدقاء حاولت الاعتذار قائلًا: هناك من هو أحق مني بهذا التكريم، فقال: إنه اتصل لإبلاغي بما اُتفق عليه وليس لأخذ رأي. ولهذا قبلتُ وأمري لله.. راجيًا أن أكون عند حسن ظنكم جميعًا. د. السلمي: الملتقى علامة فارقة في مشهدنا الثقافي وقدّم القشعمي لمحات عن بدايته مع الكتابة والتأليف، وكذلك بدايته مع برنامج (التاريخ الشفوي والتسجيل مع كبار السن، وتحدث عن أبرز الداعمين له والأندية الأدبية التي ساهم في نشر كتبه، وختم حديثه بالقول: عند بلوغي الثمانين نويت التوقف عن الكتابة والاستراحة، ولكني عندما أرى مثل معالي الشيخ محمد العبودي بمواصلته البحث والكتابة حتى قرب من المائة، وكذا عابد خزندار الذي واصل الكتابة حتى وفاته – رحمهما الله -، وغيرهما كالأستاذ محمد العلي الذي ما زال يكتب رغم كبره ومعاناته، ازداد عزمًا على مواصلة المسيرة. عقب ذلك انطلقتْ ندوة التكريم تحت عنوان "محمد عبدالرزاق القشعمي – ذاكرة الثقافة وعرّاب التدوين"، بمشاركة الدكتور محمد عبدالكريم السيف، والأستاذين عدنان العوامي، ومحمد صالح الهلال، فيما أدارها الدكتور محمد عبدالرحمن الربيع. كما تم تكريم معالي الدكتور فهد السماري، المستشار بالديوان الملكي، د. السماري: المحتفى به مثال للعمل الشفاهي الإبداعي وكذلك راعي الحفل الوجيه الأستاذ سعيد العنقري. ويختتم ملتقى النص اليوم الخميس جلساته الخمس بمشاركة عدد من المثقفين والأدباء التي إمتدت على مدار اليومين تناول فيها المتحدثون التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية. وكانت أولى الجلسات انطلقت انطلقت بمشاركة أ.د.حسن حجاب الحازمي بورقة بحثية عنوانها "من الشفاهية إلى التدوين - قراءة في جهود العقيلي في توثيق الأدب الشعبي في الجنوب"، طاف في مستهلها على سيرة العقيلي ومنجزاته الأدبية التي بلغت (35) كتابًا، معتبرًا أن العقيلي بهذا الجهد والإنجاز يمثل أحد أبرز رواد الأدب الحديث في المملكة، مخصصًا ورقته لوقفة عند كتابه "الأدب الشعبي في الجنوب"، متعقبًا بالتحليل والنقد والرصد أسلوب وطريقة العقيلي في تحويل الأدب الشعبي في منطقة جازان من أدب شفاهي تتناقله ألسنة الرواة. كما شاركت الدكتورة لمياء باعشن ببحث عنوانه "الحكاية الشعبية من الشفاهة إلى التدوين: التبات والنبات نموذجًا"، مشيرة في البداية إلى أن "المرويات الشفهية تعمل كمستودعات للغة واللهجة وفروقات المعاني الدقيقة"، كونها تجسد التعبيرات اللغوية الفريدة والعبارات الاصطلاحية المتأصلة في الثقافة المحلية. وتتبعت الورقة مراحل انتقال الحكايات الشعبية من الوسط الصوتي إلى الوسط الكتابي، والأثر الذي تركه اختفاء دور الحكواتي في توصيلها للسامعين، كما وضحت التغيرات التي طرأت على سمات الحكايات الفنية، وعلى محتواها الأدبي والفكري في ضوء هذا الانتقال التخليدي. أما ورقة الدكتور أحمد اللهيب فاشارت إلى النّظرية الشّفاهيّة بأنّها ذاتُ علاقةٍ قويّةٍ بالبدائيّةِ البشريّة، وأنّها منحت الخلودَ لأعمالٍ بشريّة كانت جديرةً بالبقاء والديمومة والحياة؛ نظرًا لأنّها قدمت نماذج عليا من الإبداع البشريّ كما أنه يمكن النّظر إلى هذه المرحلة بأنّها مرحلةُ تشكيل متنوعٍ لعطاءاتٍ بشريّة متعددة خلقت نصًّا أو نصوصًا متواليةً متوارثة عبر الأجيال؛ وجدت فيها لحمة إنسانيّة وعاطفة بشريّة ومعاني راسخةً في الفكر البشري. كذلك شهدت الجلسة مشاركة أ.د. أحمد بن عيسى الهلالي بورقة تناولت "تقنيات المثل الحواري في الثقافة السعودية الشعبية، مرتئيًا في بدايتها أن "الأمثال ضرب من الأدب الجمعي العربي، عرفه الأوائل وظل مزدهرا في ثقافتهم، يحضر في كل مناسباتهم، ويدرج على ألسنتهم باعتياد، وزاد حضوره حين اختزن القرآن الكريم عددًا كبيرًا من الأمثال، وظل إلى عهد قريب يحظى بهذه المكانة الرفيعة في كل ما يتداول من الأحاديث مشيراً إلى الأمثال برشاقتها اللفظية وكثافتها الدلالية التي تستوقفنا دائمًا وكذلك الأمثال الحوارية ببنيتها الخاصة. المرويات الشفهية والأمثال الشعبية أبرز الموضوعات أما الجلسة الثانية من الفعاليات فقد شارك فيها الدكتور صالح معيض الغامدي، بورقة تعقّب فيها "جهود محمد القشعمي في تدوين السير الذاتية السعودية الشفوية" محاولاً الإجابة على بعض الأسئلة المهمة ومنها: ما معايير اختيار الشخصيات التي عني القشعمي بتدوين سيرهم الذاتية؟ وما هو المنهج المتبع في تسجيل هذه السير؟ وهل حافظت السيرة الذاتية الشفوية على ملامحها في الصيغة المسجلة أو المدونة؟ وما هي أبرز الإشكالات التي تواجه انتقال النص الشفوي السيري إلى نص مكتوب، وغيرها من الأسئلة والقضايا المرتبطة بهذا الموضوع. أما الدكتور أحمد صالح الطامي فذهب في بحثه إلى رصد "تجليات التاريخ الثقافي في يوميات الشيخ محمد العبودي"، مستهدفًا بذلك استجلاء ما تحمله يوميات الشيخ محمد بن ناصر العبودي من تسجيل لحركة التطور الثقافي في جوانبها التعليمية والفكرية والاجتماعية كم سجلها قبل أكثر من ثمانين عامًا في يومياته، التي نشرها في ثلاثة مجلدات موسومة بيوميات نجدي. ويذهب الدكتور سعود بن حامد الصاعدي إلى مناقشة "جدلية الشفاهي والكتابي في ثقافة الصحراء"، من خلال نار المرخ وتوطين الحكايات، ممهدًا لذلك بإشارة لمفهوم التوطين بقوله: يبدو التوطين في دلالة من دلالاته شكلًا من أشكال الكتابة، فهو باعتبار جذره المعجمي يعني الإقامة والسكن، ومعنى أن يقيم الشيء أي أن يستقر فتكون له حدوده، وذلك ما تعنيه الكتابة في جذرها اللغوي. وركزت الدكتورة إيمان بنت أحمد العوفي، على "البودكاست"، حيث جاءت ورقتها تحت عنوان الشّفاهيّة الجديدة بين تواصل النّصّ وتداخل النّسق، متضمنة "قراءة في ثقافة التّدوين الصّوتيّ Podcast "، كاشفة في ثناياها عمّا أنتجته الشّفاهيّة الجديدة ممثّلة في نموذج رقميّ (البودكاست) بوصفه تدوينًا صوتيًّا يجمع بين الشّفاهيّة والكتابيّة. وفي ورقتها رصدت الدكتورة هيفاء رشيد الجهني مسيرة "السرد الشعبي السعودي من الشفاهة إلى الكتابة"، باستهلال توصيفي للأدب الشعبي بوصفه أحد أنواع التراث الذي يستضيء به الفكر والثقافة الإنسانية، مقررة أن تراث الشعوب إنما هو تاريخهم وحضارتهم الممتدة التي يستقون من عبق أريجها الضارب في القدم جمال الحاضر وحضارة المستقبل. جانب من الجلسات وحديث عن الحكاية الشعبية رئيس أدبي جدة يلقي كلمة الافتتاح محمد القشعمي في لقطة تذكارية د. عبدالعزيز خوجة مع إياد مدني و د. فهد السماري والوجيه سعيد العنقري ود. عبدالله السلمي وخيرالله زربان محمد القشعمي مستعرضاً سيرته جانب من الحضور