رغم أننا نعيش اليوم في عالم مترابط وكأننا سكان قرية واحدة، إلا أن التباين بيننا يبدو صارخًا أكثر من أي وقت مضى. حتى داخل الأسرة الواحدة، يمكن أن نجد اختلافات جذرية بين أفرادها، وكأن كل شخص يعزف على وتر مختلف. في المقابل، إذا نظرنا إلى أسلافنا، نجدهم أكثر انسجامًا، رغم صعوبة وسائل التواصل في زمنهم. ذلك الجيل كان يتشارك أحداثًا وقيمًا تكاد تكون موحدة. إذا سألت أحدهم عن ذكرى عام معين، ستجد أن القصص متشابهة، وردود الفعل تكاد تكون متطابقة، حتى وإن كانوا ينتمون إلى مدن وبيئات متباينة. كان هناك وعي جماعي مشترك، مدفوع بعوامل كالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وغياب التشتيت التكنولوجي الذي نعيشه اليوم. لكن الآن، بات لكل شخص عالمه الخاص، مع تشكيله الفريد من الآراء والاهتمامات والهويات. منصات التواصل والوسائل الحديثة أعطت الجميع فرصة ليكونوا مختلفين، وربما حتى متناقضين. وهنا يبرز تساؤل: هل هذا التباين يعكس تطورًا صحيًا أم أنه عبء على روح المجتمع؟ من جهة، يمكن القول إن الاختلاف يعكس تحولًا إيجابيًا في التفكير، حيث أصبح لدينا مساحة أوسع للتعبير عن ذواتنا، بعيدًا عن القوالب التي كانت تحدد الأجيال السابقة. لكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التباين إلى شعور بالاغتراب داخل المجتمع أو حتى الأسرة، حيث يصبح من الصعب إيجاد قواسم مشتركة تجمعنا. هل كان انسجام الماضي أفضل من تباين الحاضر؟ ربما كانت الحياة أكثر بساطة آنذاك، لكن هذا لا يعني أنها كانت أكثر حرية. كان الانسجام يحمل في طياته نوعًا من الإلزام بالتوافق، بينما يمنحنا التباين اليوم فرصة لرؤية العالم بألوان متعددة. بين الماضي والحاضر، يبقى التحدي الأساسي هو تحويل اختلافاتنا إلى فرص للنمو، وجعل تنوعنا جسرًا للتواصل بدلاً من أن يكون حاجزًا يعوق التفاهم. فلا قيمة لأن نعيش في قرية واحدة إذا كانت الأسوار بيننا أعلى من المنازل التي نسكنها.