ليست كل صحوة صحوة؛ هذه الفرضية التي سنحاول ملامسة صحتها من عدمه بوضعها في خط مواز لمسيرة افتراضية للنقد العربي للرواية العربية، ففي الوقت الذي كرس فيه بعض نقاد الغرب أوقاتهم لإيجاد سياق منهجي ومنطقي لظهور جنس الرواية العربية ركزوا فيه على الإرث الأدبي العربي الكبير من حكاية وقصة وغيرها في شكلها العربي العام أو من خلال تطور الأدب في بلد عربي محدد، وتأتي مصر لتكون المثل العربي الأبرز لعدة اعتبارات تجعل من مصر واجهة عربية لدراسة ميلاد وتطور الرواية العربية، فطُرحت عدة احتمالات خضعت لاعتبارات منهجية ونقدية جاء بعضها معتبرا أعمال محمد المويلحي نقطة مركزية في ظهور الرواية العربية، والتي استدعى من خلالها اسم عيسى بن هشام الشخصية التي كانت لسان بديع الزمان الهمذاني في رواية مقاماته أو اعتبار أعمال جورجي زيدان المهاجر اللبناني الذي استقر في مصر ليعيد أحياء روح الأدب العربي والإسلامي بالكتابة المباشرة أو عن طريق الصحافة المتمثلة في مجلة الهلال، وكانت أعمال المنفلوطي ضمن دائرة اهتمام الباحثين عن نواة عربية أصيلة للرواية العربية إلى أن جاءت رواية زينب. أقول في الوقت الذي سعى فيه نقاد غربيون لربط ميلاد الرواية العربية بسياقاتها العربية المنطقية في التطور؛ انبرى نقاد عرب دون منهجية واضحة لإثبات أن الرواية جنس وجسد أدبي غربي وليس للعرب فيه إلا التقليد! بعض هؤلاء النقاد يعذرون في هذا الحكم وقد تلقوا صدمة حضارية، فعند ابتعاثهم إلى دول غربية لدراسة الأدب لم يكن لديهم من الرصيد الأدبي ما يجعل من الأدب الغربي أدب ثان، فكان بناؤهم الأدبي الأول منهجيا من خلال الأدب الغربي وبالتالي من خلال أدوات نقده. عاد بعض هؤلاء إلى بلدانهم لا يملكون من أدوات النقد إلا ما يمكن معه نقد رواية ذات هيكل وبناء وعناصر محددة لا يستطيعون الخروج عنها قيد أنملة، وهكذا جاء نقد أدبي غربي يعمل أدواته بلغة عربية، وأدوات مستوردة بأيد نقدية مهزوزة، فنزعوا عن الرواية العربية أي صلة بتراث أدبي عربي، وجعلوا مفهوم تطور الأدب تطور خطي وليس تطور عبر محطات إنسانية متشابكة ومتفرعة ومتفاعلة. هكذا وأد نقاد عرب رواية عربية كانت تمضي في سياقها التطوري الطبيعي ليربطوها مباشرة برواية غربية كانت قد أخذت شكلها وعناصرها. ونحن نتحدث هنا من منظور علم اجتماع الأدب والنقد الثقافي الذي هو ابن لهذا الفرع من فروع علم الاجتماع، فالنقد الثقافي يحمل اسمه وأدواته من خلال منظومة متكاملة تدرس الأدب بصفته ظاهرة اجتماعية يطبق عليها أدوات ونظريات تربط الأدب بالمجتمع وبالسياق التطوري والحالة الإبداعية، ولغة سائدة وأدب محلي وعالمي، وكاتب ينتمي لبيئة اجتماعية وبيئة أدبية، ويعمل عليها هذا النقد نظرية اجتماعية تفسر وتشرح وتبرر في إطار مذهب سائد ليكون النقد نقد ثقافي واضح المعالم والمنهجية، ويستطيع أن يجادل وأن يقنع أو يقتنع. أما الرواية السعودية فمن وجهة نظري فإنها الرواية التي كانت تمثل الامتداد الطبيعي لتشكل رواية عربية الهوية وتسير وفق تطور طبيعي ومنطقي وتؤثر وتتأثر بمحيطها الأدبي العربي والعالمي إلى أن جاء من النقاد من أخذها بتلابيبها وقذف بها في مرمى الرواية الغربية دون وعي بمفهوم التطور الطبيعي. ليست كل صحوة صحوة يبدو أنها فرضية يستطيع نقدا ثقافيا مكينا يُعمل أدوات علم اجتماع الأدب إثباتها أو نفيها.