يبرز «محمد مفتاح» رؤيتين للعالم، رؤية الانفصال، وهي رؤية ذريّة لمكونات العالم، تنظر إليه نظراً ذرياً، ومن ثم تعدل إلى التصنيف والتحديد، ومنهجها تحليلي فتركيبي، واللغة فيها عاكسة للمجموع من هذه المتفرقات، فلا بدّ لها من انسجام حتى تتحقق الانعكاسية، وكذا مطابقة ما في الخارج. والرؤية الثانية هي رؤية الاتصال، تنطلق من وحدة العالم أصالة، فهو وحدة كاملة، تعكس الجمال والجلال في آن، فيها متشابهات ومتعددات لكنها كلها ذات أصل واحد، والكون «أيقونة مكتوبة فيها الأسماء الحسنى، والإنسان ليس إلا نسخة لهذا الكون». من هاتين الرؤيتين يمكن النظر لتجلي ثنائية الاتصال والانفصال في اللغة، بحسب كل لفظ مستعمل في تركيبة شبكية من المفاهيم عند أصحاب الرؤيتين المتقابلتين. ولأجل الجمع بين محاسن الرؤيتين يقترح تقديم رؤيته، تحت مفهوم له دلالة عنده، وهو مفهوم «المخاثلة»، فهو مفهوم يدل على الامتزاج بين الكيفيات وفق ثنائية الاتصال والانفصال معاً. فليس العالم رؤية اتصال أو رؤية انفصال، بل هو مطّ لهاتين الرؤيتين، لتستوعب عدة مستويات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، مستثمراً في ذلك المنطق متعدد القيم. فالمخاثلة: مفهوم منحوت يجمع بين مفهومين «المخالفة» و»المماثلة». وهذا المفهوم يجمع لا بين رؤيتين: انفصال واتصال، وحسب، بل يدخل الفعالية والحركة في الكون، بعد أن بقيت المفاهيم لزمن طويل تتعامل مع الثبات والجمود، فالمخاثلة «أساس الأفعال والأعمال والأقوال...» فلا تمخض في الوجود؛ إذ المخالفة والمماثلة درجات في الموجود لا مقابلة ضدية بينهما، و»المخاثلة تفترض أن كل ما في الكون متفاعل متقابل مشوب... مؤسس على الهويات المتداخلة، لا على التطابقات، أو الاتحادات، أو التماثلات الكلية...». ومحمد مفتاح بهذه الرؤية يمزج بين عدة فلسفات، ويساهم في طريق حديث نسبياً مقارنة بالقرون المتطاولة، وهي رؤية تنظر للكون في فعاليته، وحركيته، مع أهمية المفاهيم الثابتة لمقاربة المحصلة العامة من رؤية معينة، مع عدم رفع هذا الثبات لحد الحقيقة اللازمة، بل هو ثبات مؤقت. فينزع لمخاثلة تجمع بين المختلف والمماثل، وهذه أقرب ما تكون لإصلاح الشروخ المنهجية الحادة، خصوصاً في التوجهات الحادة في تعارضها، نحو: تجريبي مادي مقابل عقلاني مثالي. وسواءً كانت رؤية محمد مفتاح أقرب للصواب أم لا، إلا أن المميز هو إعادة النظر في العالم نظراً تركيبياً، يعترف بتعقيده، وأن التحليل إلى بسائط، هو آلية تحليل لفهم العالم من الجزئيات الصغيرة، ثم الاستدلال بالتمثيل، للوصول إلى التعميم وغيره، إلا أنها في مستوى التحليل، لا وصف تركيبية وتعقيد العالم، وحتى القدرة البشرية على فهم بعضه.