تعدّ مرحلة الطفولة المبكرة من أهم المراحل الحاسمة في حياة الإنسان، حيث تُبنى خلالها الكفاءات الأساسية وتُزرع بذور الفاعلية والتأثير التي تستمر مدى الحياة في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، فأصبح من الضروري تسليح أطفالنا بمهارات المستقبل التي تُعد أدوات لا غنى عنها لمواجهة تحديات حياتهم المقبلة وتحقيق النجاح في واقعهم المهني والاجتماعي. حيث يتطلب المستقبل جيلاً واعيًا قادراً على ذلك، ومجهزاً بمهارات تواكب التطورات العلمية والتكنولوجية، خاصة في إطار رؤية المملكة 2030 التي تركز على تنمية القدرات البشرية. فمهارات المستقبل ليست مجرد قدرات عادية، بل تشمل مجالات متنوعة ومتعددة من الكفاءات تهدف إلى إعداد الأطفال ليكونوا أفرادًا مبدعين، ناقدين، ومتكيفين مع متغيرات العصر، ومن أبرز هذه المهارات: مهارات التفكير الناقد، التفكير الإبداعي، وحل المشكلات، ومهارات التواصل والتعاون لتعزيز العلاقات الاجتماعية وبناء بيئة عمل فعالة، وكذلك المهارات الرقمية للاندماج في العالم الرقمي المتطور، بالإضافة إلى مهارات التكيف في الحياة والعمل، والتعلم مدى الحياة، واكتساب المعارف بكفاءة مع استغلال الموارد بأقصى فاعلية. يهدف تعليم الأطفال مهارات المستقبل إلى تنمية الوعي الذاتي وتعزيز ثقة الطفل بنفسه وإدراكه لقدراته، وبناء العلاقات من خلال تحسين قدرته على التفاعل مع الآخرين بشكل صحي والتكيف مع المتغيرات وتطوير المرونة لديهم، وكذلك غرس القيم مثل الصدق، والتعاون، والاحترام وغيرها؛ ليصبحوا مواطنين صالحين. في سياق أهمية تعليم هذه المهارات فإنه وفقاً لتقارير عالمية، يتوقع أن 85 % من الوظائف المستقبلية لم تُوجد بعد! مما يستدعي إعداد الأطفال لتحديات غير مسبوقة، كما أن تعليم هذه المهارات يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويسهم في بناء مجتمع مستدام. ولتنمية مهارات المستقبل يتم دمجها في البرامج والأنشطة المقدمة للأطفال، من خلال تطبيق مجموعة من الاستراتيجيات من ضمنها: تصميم بيئة محفزة، وتقديم أنشطة تطبيقية تعزز التعلم العملي وتطوير المهارات، فالتعليم الجيد يعتمد على استخدام استراتيجيات تعليمية متنوعة، مثل التعلم من خلال اللعب، والقصص، والرحلات الاستكشافية، بالإضافة إلى توظيف التقنيات الحديثة كالألعاب الرقمية والتطبيقات التعليمية، بما يراعي احتياجات الأطفال الفردية وأنماط تعلمهم المختلفة، مع أهمية تطبيق التقييم المستمر لقياس مدى تقدم الطفل في اكتسابها بشكل منتظم؛ بهدف أن يكون الناتج مواطناً منافساً عالميًا، وهو الهدف الذي تسعى له وزارة التعليم في تطبيقه بتطوير المناهج في مرحلة الطفولة المبكرة. في الختام ندرك أن تعليم مهارات المستقبل للأطفال ضرورة ملحة؛ لضمان تأهيلهم لعالم مليء بالتغيرات والتحديات، يبدأ بوعي المربي وتوفير بيئة تعليمية محفزة، واستخدام استراتيجيات تعليمية فاعلة، تساعد على النمو والتطور الشامل؛ لإعداد جيل قادر على الإبداع والابتكار، وبما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة وبناء مستقبل أكثر إشراقاً لمجتمعه ووطنه وللعالم بأسره. * ماجستير الطفولة المبكرة