مع بداية عام ميلادي جديد، نقف عند محطة التأمل والمراجعة، لنطوي صفحات الماضي بكل ما حملته من نجاحات وإخفاقات وزلات، ونفتح صفحة بيضاء جديدة. إنها فرصة عظيمة يمنحنا إياها رب الكون الله سبحانه وتعالى، لنرسم فيها أفقًا مشرقًا يعكس القيم التي أرساها ديننا الإسلامي الحنيف، من الإيمان بالعمل الجاد، وحسن الخلق، والحرص على التوازن بين واجباتنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. قال الله تعالى: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ" [النجم: 39]، إشارة واضحة إلى أن السعي والعمل أساس النجاح. ولعل هذا العام الجديد يكون نقطة انطلاق لكل من يسعى لبناء مستقبله وتحقيق أهدافه. فالأيام تمضي، ولا يبقى منها سوى أثر العمل الجاد الذي نقدمه لأنفسنا وأسرنا ومجتمعنا. ديننا الإسلامي يعلمنا أن العمر فرصة للعمل والإصلاح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". إن الإتقان ليس مجرد واجب مهني، بل هو قيمة نعيش بها في كل شيء، سواء في بيوتنا مع أسرنا أو في مواقع عملنا أو حتى في تواصلنا مع الآخرين. هذا العام الجديد يحمل أهمية خاصة للمملكة العربية السعودية، حيث يشكل عام 2025م مرحلة مفصلية في تحقيق رؤية 2030 الطموحة. من بين المشاريع الكبرى التي يُنتظر إطلاقها وتطويرها خلال هذا العام، نجد مشاريع المدن المستقبلية مثل: نيوم، التي تهدف إلى تقديم نموذج عالمي للمدن الذكية، ومشروع ذا لاين، الذي يعكس نموذجًا مستدامًا للعيش في تناغم مع البيئة. كما تشمل المشاريع الكبرى مشروع إدلب الذي يُعنى بتطوير الكفاءات البشرية وتعزيز فرص العمل للشباب، إضافة إلى تقدم العمل في مشروع أوكساچون، المدينة الصناعية العائمة الأكبر من نوعها، والتي تعد خطوة رائدة نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما أن المملكة واصلت في عام 2024م تحقيق إنجازات كبيرة، منها التوسع في مشاريع الطاقة النظيفة مثل: مشروع سدير للطاقة الشمسية، الذي يعد واحدًا من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، ودخول المرحلة النهائية لمشروع القدية كوجهة ترفيهية وسياحية عالمية. علاوة على ذلك، شهد عام 2024 استضافة المملكة لعدد من المؤتمرات العالمية التي عززت مكانتها كقوة اقتصادية وسياسية في المنطقة والعالم. كان عامًا مليئًا بالنجاحات التي تعكس التزام المملكة بالبحث والابتكار والتطوير. وفي عام 2025م، سيكون التركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للاستثمار والتجارة، وهو ما يتماشى مع رؤية 2030. إن هذه الجهود ليست مجرد تطلعات اقتصادية، بل تحمل أبعادًا أعمق تشمل تحقيق السلام العالمي، حيث تواصل المملكة العربية السعوديّة دورها القيادي في تعزيز الحوار بين الشعوب والعمل على مبادرات إنسانية تهدف إلى دعم الأمن والاستقرار العالمي. لكن من الضروري أن نتذكر أن مستقبل الأمم مرهون بمدى قدرتها على استيعاب علوم المستقبل، وتوظيفها بشكل فاعل في المجالات المختلفة، بما في ذلك الحفاظ على الأمن الوطني. هذه العلوم ليست رفاهية، بل هي أساسٌ للاستعداد لمواجهة التحديات القادمة، وضمان استقرار المجتمعات. ولذا، يجب أن يكون العمل عليها مستمرًا بلا كلل أو ملل، لتسخيرها في خدمة الوطن وتحقيق التقدم المنشود. نحتاج في هذا العام أن نُظهر أجمل ما فينا من قيم المحبة والوفاء، وأن نتجاوز الصغائر التي تستهلك طاقاتنا. قال الإمام الشافعي: إذا المرءُ لا يرعاكَ إلا تَكَلُّفاً فدعهُ ولا تُكثِر عليه التَّأسّفا إنها دعوة لنبذ العلاقات المزيفة، وتوطيد العلاقات الصادقة التي تُغني الروح. لا يمكن الحديث عن عام جديد دون التطرق إلى التوازن النفسي والاجتماعي، فهو الأساس الذي نبني عليه سعادتنا. التوازن يعني أن نعطي كل ذي حق حقه، بدءًا من أنفسنا التي تحتاج إلى المحاسبة والتطوير، إلى أهلنا وأصدقائنا ومجتمعنا الذي ينتظر منا أن نكون أفرادًا منتجين ومؤثرين. في تاريخنا الإسلامي، نجد الكثير من الدروس التي تلهمنا العمل الجاد والتفاني، إن الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، كانوا نماذج يُقتدى بها في تحويل الإيمان إلى عمل ملموس يحقق الخير للمجتمع. وقد قال الحسن البصري: "من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانًا من الله عز وجل". هذا العام، لنجعل أعمالنا فيما ينفعنا وينفع من حولنا، ولنحرص على أن نكون سفراء لوطننا وقيمنا أينما كنا. فالعام الجديد ليس مجرد تقويم يضاف إلى أعمارنا، بل هو فرصة لتصحيح المسار، وتعزيز العمل الصالح، وتحقيق الإنجازات التي ترفع من شأننا وشأن أوطاننا. المملكة العربية السعودية ليست وطناً عظيماً فقط، بل هي قائد عالمي في ميادين التنمية والسلام. تواصل المملكة، بقيادتها الحكيمة، تعزيز أواصر التعاون الدولي، من خلال مبادراتها التي تدعم التنمية المستدامة ومبادراتها البيئية التي تسهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. اللهم اجعل عام 2025م عامًا خيرًا وبركةً وسلامًا على وطننا الحبيب، وعلى الأمة العربية والإسلامية، وعلى العالم أجمع. اجعله عامًا نملؤه بالحب والاحترام والصدق في العمل، وعامًا تتحقق فيه أهدافنا ونرتقي فيه بقيمنا وأخلاقنا. حفظ الله وطننا وقيادته، وجعل أيامه مكللة بالأفراح والإنجازات. عوض بن خزيم آل سرور الأسمري