تفوقت المملكة العربية السعودية في التقرير السنوي الأول الذي أصدره المؤتمر الدولي لسوق العمل تحت عنوان «التنقل غدًا: إتقان المهارات في سوق العمل العالمي الديناميكي»، في معالجة تحديات أسواق العمل، ودعم جهود تحسين المهارات، وإعادة التأهيل. يأتي ذلك ضمن الجهود المستمرة لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تركز على تطوير الكفاءات الوطنية، تعزيز إعادة تأهيل القوى العاملة، وخفض معدلات البطالة، مما يرسخ مكانة المملكة كقوة ريادية قادرة على مواجهة التحديات المحلية والعالمية بفعالية. يسلط التقرير الضوء على التغيرات الجذرية التي تشهدها أسواق العمل عالميًا، مثل العولمة الاقتصادية، التحولات الديموغرافية، والتطورات التكنولوجية السريعة. ويؤكد أن التعلم المستمر وتطوير المهارات يمثلان أساسًا للتكيف مع هذه التحولات. كما يعكس التقرير التزام المملكة بتطوير قواها العاملة بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030، عبر التركيز على التنويع الاقتصادي، خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز تنافسية القوى العاملة السعودية عالميًا، ما يساهم في بناء سوق عمل مستدام ومرن، قادر على مواكبة التغيرات المتسارعة وتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام. ركز التقرير على دعم المبادرات الشاملة التي تهدف إلى مساعدة الشباب الباحثين عن عمل، وذلك عبر تعزيز برامج التعليم والتدريب، وتنمية المهارات ، بالإضافة إلى سد الفجوة بين المؤهلات الأكاديمية ومتطلبات السوق. ويهدف هذا التوجه إلى ضمان تجهيز الشباب بشكل أفضل للفرص المستقبلية في سوق العمل العالمي المتغير. تقادم المهارات وكشف التقرير السنوي الذي شمل 14,000 مشارك من 14 دولة حول العالم عن قلق متزايد لدى أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع بشأن احتمال تقادم مهاراتهم الحالية في المستقبل القريب، ويتزايد هذا القلق بشكل خاص في دول مثل البرازيل (61 %)، والصين (60 %)، ونيجيريا (59 %)، وجنوب أفريقيا (57 %)، وإسبانيا (54 %)، والهند (55 %) والولايات المتحدة (51 %). تعكس هذه الأرقام حاجة ملحة في غالبية القوى العاملة في هذه الدول لتطوير مهاراتها لمواكبة التغيرات السريعة في سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك؛ يشير التقرير إلى أن الأتمتة المتزايدة تشكل تهديدًا لأسواق العمل في العديد من الدول. ففي الصين، على سبيل المثال، أعرب 36 % من العمال عن مخاوفهم من فقدان وظائفهم نتيجة لاستبدالها بالروبوتات والأنظمة الرقمية. ولا يقتصر هذا القلق على الصين، بل يشمل أيضًا دول أخرى مثل الهند (26 %)، وأستراليا وفيتنام (25 %)، والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا (24 %)، والبرازيل والمملكة المتحدة ونيجيريا (21 %). وتمثل الصينوالهند، وهما من أكبر الأسواق التي تشهد إمكانات كبيرة للأتمتة في وظائف القوى العاملة ضمن مجموعة العشرين، مثالاً واضحًا على هذا الاتجاه العالمي. وعلى الرغم من تزايد القلق بشأن فقدان الوظائف بسبب الأتمتة، إلا أن جهود إعادة تأهيل القوى العاملة تواجه تحديات كبيرة، من أبرزها وجود فجوة في التعاون المأمول بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى عامل الوقت والقيود المالية. كما أن العديد من الشركات قد بدأت في تقديم برامج تدريبية لموظفيها، إلا أن أكثر من 40 % من المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى أن عامل الوقت يمثل العائق الأكبر أمام تطوير مهاراتهم، تليه القيود المالية بنسبة 39 %. علاوة على ذلك، أشار حوالي 19 % من المشاركين إلى أن النظام التعليمي الحالي لا يتماشى مع احتياجات سوق العمل المتغير، ما يزيد من تعقيد عملية التأهيل والتدريب في مواجهة التحولات التكنولوجية والاقتصادية. كما أظهرت نتائج الاستطلاع أيضاً؛ أن المشاركين يضعون ثقتهم بشكل أكبر في الشركات لدعم جهود تحسين المهارات وإعادة التأهيل، حيث أبدى 49 % من المشاركين ثقتهم في مؤسساتهم. كما جاءت الحكومات في المرتبة الثانية بنسبة ثقة بلغت 20 %، تليها المنظمات غير الحكومية والمجتمعية بنسبة 19 % والنقابات بنسبة 12 %. وكشفت البيانات عن تفاوت في مستوى الثقة بالحكومات بين الدول، حيث سجلت المملكة العربية السعودية نسبة بلغت 35 % وعلى الرغم من أن تغير المناخ لم يكن الدافع الرئيسي لتحسين المهارات لدى المشاركين، إلا أنه أبرز أهمية اكتساب مهارات متخصصة في بعض الأسواق، خاصة في الدول التي تواجه تحديات بيئية كبيرة. حيثٌ سجلت بعض الأسواق مثل الصين نسبة 41 %، وفيتنام 36 %، والهند 32 %، ونيجيريا 26 %. وتُظهر نتائج الدراسة ايضاَ؛ اختلافات في الدوافع وراء جهود تحسين المهارات بين المناطق. ففي حين ساهمت الأتمتة المتزايدة إلى زيادة الوعي بأهمية تطوير المهارات على مستوى العالم، إلا أن تأثير التغيرات الديموغرافية كان أكثر وضوحًا في بعض الدول الآسيوية مثل الصينوالهند وفيتنام، حيثُ أشار حوالي نصف المشاركين في الصين إلى أن الشيخوخة السكانية هي أحد أهم الدوافع وراء تحسين المهارات. وعلى النقيض من ذلك، كان تأثير الشيخوخة السكانية أقل وضوحًا في دفع جهود تحسين المهارات في أوروبا واليابان، ويبرز التقرير أهمية المهارات المعرفية، والإدارية، والاجتماعية والعاطفية، بالإضافة إلى مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لتحقيق النجاح في سوق العمل المعتمد على التكنولوجيا. معتبرًا المهارات المعرفية، مثل التحليل النقدي، وحل المشكلات، والتفكير الابتكاري، الأكثر أهمية، سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل. يُذكر أن النسخة الثانية من المؤتمر الدولي لسوق العمل ستنعقد في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض في 29 و30 يناير 2025. سيجمع الحدث أكثر من 5000 مشارك من مختلف أنحاء العالم، وبمشاركة أكثر من 200 متحدث بارز، بما في ذلك وزراء عمل من 40 دولة، ورؤساء تنفيذيين، وخبراء دوليين، وقادة القطاع العام من أكثر من 50 دولة لمناقشة أبرز التحديات والفرص في سوق العمل العالمي.