لقد فقدت الرياض قامة كبيرة من قاماتها وأحد أبرز أعمدة العمل الإداري والتطوعي، معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم الذي تميز بسيرته العطرة وإنجازاته التي لا يمكن أن تنسى خصوصاً في مجال العمل التطوعي تاركاً خلفه بصمة عميقة في الكثير من المجالات والمبادرات التي أثْرت العمل الإداري والتطوعي في المجتمع السعودي، وهنا سأتحدث عن فترة توليه أمانة الرياض منذ عام 1396ه إلى 1411ه، حيث تمكن خلال هذه الفترة من تحويل العاصمة الرياض إلى مدينة من الطراز الحديث من الناحية الإدارية والعمرانية، فالمحطة الأبرز في حياة النعيم كانت عمله أميناً لمدينة الرياض وما حققه من إنجازات على مستوى النظافة والطرق والتنظيم والخدمات حتى أصبحت الرياض لؤلؤة الصحراء. لقد كانت النظافة شبه معدومة في العاصمة الرياض عندما تولى النعيم أمانة الرياض، وقد جسد النعيم حالة مدينة الرياض آنذاك بقوله: "كانت الأوساخ تملأ كل مكان، وكان الناس يحرقون قمامتهم في كل مكان، ومن ينظر إلى الرياض من الطائرة، يظن أنها تحترق، عمال النظافة قليلون جداً، والشوارع بعضها مغلق بالقمامة، لكني استعنت -بعد الله- بعدد من التجار والمقاولين بمعداتهم لتنظيف بعض الشوارع، وأذكر أن شارعاً في حلة القصمان شرق البطحاء، يجرف «الدركتر» الشارع والقمامة ملتصقة بالأرض مع الماء، كانت الأرض سوداء وذات رائحة عفنة، فتعاقدت مع عدد من المقاولين لنظافة المدينة". وعندما تم التعاقد مع شركة عالمية للنظافة والتي كانت تحتاج بعض الوقت من أجل تجهيز المرافق وتوريد المعدات عمل النعيم على جعل مدينة الرياض نظيفة كي لا ينسب لها الفضل في نظافة الرياض، فكان يقف بجانب العمال والموظفين مقدماً لهم الدعم والتوجيه، وعمل على زيادة رواتب العمال والموظفين في قطاع النظافة فكان ذلك حافزاً ومشجعاً لهم على إتقان عملهم. ومن نماذج العمل التطوعي للشيخ النعيم والتي عزز من خلالها قيم العمل التطوعي المجتمعي تأسيسه مركز الملك سلمان الاجتماعي في الرياض، الذي يعد شعلة مضيئة في العمل الخيري التطوعي المؤسسي في وطننا الغالية، والذي يخدم جميع شرائح المجتمع رجالاً ونساءً، ومركز صالح بن صالح الاجتماعي في عنيزة، وأيضاً ترأس مجلس إدارة الجمعية الخيرية الصالحية. وعن علاقته بالمكتبات فقد صرح النعيم في إحدى مقابلاته بأن المكتبة الوطنية هي جزء من كيانه وحياته ولو بشكل غير رسمي، وقد شغل النعيم منصب رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية وعمل على جعل هذا الصرح الثقافي مصدر إشعاع وعلم ومعرفة، يجد فيه القارئ والباحث وطالب العلم كل ما يشبع وينمي مداركه من الكتب والمطبوعات والرسائل العلمية. يعد معالي الشيخ النعيم قدوة في العمل الإداري والتطوعي، حياته كانت مليئة بالعطاء والإخلاص والتفاني، وسيبقى ملهماً للأجيال التي أتت وستأتي بعده في أسلوبه ومنهجه في العمل الإداري، وأود هنا أن أقتبس قول الأمير سعود بن عبدالله الثنيان آل سعود في حقه: «لقد نجح عبدالله العلي النعيم في دعم ومساندة العديد من القدرات الشابة، وكان يمثل دور الأب أحياناً، ودور الأخ الأكبر أحياناً أخرى، وكان يشعر الجميع دائماً بأنه قريب منهم، كما أن معالجته للأخطاء تميزت بالحكمة والصبر..". نعزي أنفسنا أولاً في فقدان معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم، ونسأل الله -عز وجل- أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، وأن يجعل ما قدمه لمملكتنا الغالية في ميزان حسناته، وأن يلهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان. م. سعد بن إبراهيم المعجل