بين الحلم والواقع -بحساب الزمن الفيزيائي- مسافة نائية، لكنها بحسابات الهِمّة، ورحابة الرؤى والأفكار لا تبدو عصية على التحقيق. ففي عام 1400 هجري، وتحديداً في 17 جمادى الأولى، نشر المواطن حمدان سليم البلوي مقالًا في صحيفة "الرياض"، استدعى فيه احتياجات منطقته، ولم يكتفِ بالحلم وسرد الأمنيات؛ بل قدم في مقاله رؤية استشرافية لمستقبل منطقتي العلا والوجه. طرح البلوي عدة هواجس وأفكار للنهوض بالمنطقتين وتعزيز دورهما في الاقتصاد الوطني، من خلال تطوير البنية التحتية وتفعيل المشاريع التنموية. وبينما حدد التحديات التي قد تواجه المنطقة، تمنى أن يتم استثمار موقعها الجغرافي المتميز ومواردها الطبيعية لتحقيق قفزة اقتصادية واجتماعية. هذه الأفكار التي قدمها البلوي قبل نحو نصف قرن، كانت على موعد مع المستقبل، وتحققت اليوم بفضل جهود الدولة وقيادتها الرشيدة التي تتلمس احتياجات الجميع، وكذلك رؤية المملكة 2030 التي رسمت لنا أجمل مستقبل. مما جاء في التحقيق قول البلوي -رحمه الله-: إحياء ميناء الوجه بإنشاء ميناء حديث حيث الموقع ملائم ولا يوجد أية عوائق وسيخدم هذا الميناء جميع البلدان الشمالية ويساهم في حل الازدحام عن الموانئ الأخرى، وتنفيذ طريق العلا الوجه الذي طال انتظاره، وإكمال الطريق الساحلي - والذي بقي منه ما بين الوجه وضباء والذي لا يزيد على 150 كيلو مترا، إضافة إلى إنشاء مصنع للحديد والصلب يكون له مردود كبير على اقتصاد البلاد، مشيراً إلى منجم "أم القريات" القريب من محافظة الوجه، الذي كان قد استثمر في أوائل الحرب العالمية الثانية من قبل شركة إنجليزية ثم أقفل بأسباب ظروف الحرب آنذاك والآن مطلوب من وزارة البترول والمعادن إعادة النظر فيه واستغلاله خاصة أن مادة الذهب أصبحت غالية ومطلوبة، وتحدث الشيخ حمدان البلوي عن موقع يقال له «الملاحة» عبارة عن عروق من الملح النظيف متراكما وينمو بكميات كبيرة وأكد أهمية الاستفادة منه بإنشاء مصنع لتعليب الملح لينعكس ذلك على المردود التجاري والاستغناء عن استيراد الملح من الخارج، وقال البلوي حينها: "إن إنشاء شركة الأسماك السعودية والتي صدرت الموافقة عليها أخيرا فرصة مناسبة لتذكير هذه الشركة بأن الساحل الغربي الشمالي من أملج إلى الوجه إلى ضباء يوجد بها الأسماك الوفيرة وإذا تم تنفيذ طريق العلا الوجه فإن الأسماك سوف تسوق في الأسواق من العلا إلى المدينة إلى حائل إلى القصيمفالرياض والجهات الشمالية أيضا بسهولة". وبشأن محافظة العلا قال المواطن البلوي -رحمه الله- إنها بلد زراعي وسياحي في نفس الوقت فهي تحوي مدائن صالح الأثرية وذات الموقع الجميل وتقع في مستطيل وادي القرى الخصيب وفي مثلث ما بين المدينة - الوجه - تبوك وأكد رحمه الله على أن تنشيط الزراعة وتسهيل سبل السياحة الى مدائن صالح كفيل بإنعاش هذه البلدة بل إنعاش جميع السكان من البادية القاطنين بين العلا والوجه وتبوك والذين اخذوا في الاتجاه الى حياة الاستقرار وامتهان الزراعة سواء في بلدة العلا ، نفسها او ضواحيها او في هجرهم القريبة منها ومن اهم عوامل الانعاش وتشجيع الاستيطان تنفيذ طريق العلا - الوجه والذي لا يزيد عن 150 كيلو مترا ولا يوجد اية عوائق او صعوبات تعترض تنفيذه وسوف يساعد هذا الطريق على توطين البادية وتسويق منتجاتهم كما أن تكملة الطريق الزراعي من المدينة على طول وادي القرى ماراً بقرية "الجديدة" الزراعية من أهم عوامل التشجيع والانتعاش، وأضاف -رحمه الله-: إن رغبة وإقبال البادية على الاستيطان يتطلب المبادرة الى تخطيط مشروع لتوطين البادية أسوة بالمشاريع التي قامت وتقوم بها الدولة في الاماكن المتوفر بها خصوبة الدولة الارض والمياه وتوزيع الاراضي على الذين يريدون احياءها متآلفين متحابين في أرض وتحت سماء وطن واحد وتحت ظل حكومة رشيدة تسعى لخير الجميع وتساعد البادية بصورة خاصة على الاستقرار ومن أجل ذلك فقد أوصلت اليهم المدارس الى هجرهم بل أكثر من ذلك المواطن الأمر الذي سرني وشرح خاطري حينما رأيت السيارات تنقل ابناء البادية من مضاربهم إلى حيث المدارس في الهجر وزاد من سروري ان القائمين على هذه المدارس من اداريين وأساتذة هم من ابناء البادية الذين تخرجوا من المعاهد. ودعا حينها الشيخ حمدان سليم البلوي -رحمه الله -في التحقيق المشار إليه ابناء المنطقة النازحين عنها لطلب المعيشة وخدمة وطنهم وخاصة ابناء بلدة العلا ان يساهموا في إنعاش منطقتهم بما لديهم من علم ومال وان لا يدعو حدائقهم الغناء التي تنبت الشجرة المباركة النخلة بأنواعها الممتازة، واشجار الحمضيات وغيرها تموت مع موت أجدادهم. اليوم، غدا الحلم واقعاً زاهياً ومشعّاً، فبعد مرور 46 عامًا على تلك الرؤية الثاقبة، تجسّدت أفكار حمدان سليم البلوي على أرض الواقع؛ وشهدت العلا والوجه تحولًا ملموسًا بفضل مشاريع تنموية ضخمة حققت قفزات نوعية في البنية التحتية، واستثمار الموارد الطبيعية، وتطوير القطاع السياحي والزراعي. هذه الإنجازات تؤكد صحة التوقعات التي طرحها البلوي وتثبت أن الرؤية الاستشرافية له كانت محورية في تحديد مسارات التنمية لهذه المناطق. من خلال هذا المقال، نحتفي اليوم بتلك الأفكار التي زرعت بذرة النجاح في وقت مبكر، ونستذكر بفخر جهد هذا المواطن المخلص الذي أسهم في رسم معالم النهضة التي يعيشها وطننا الغالي اليوم.