المجتمع الأميركي بجميع فئاته يترقب عودة ترمب غير التقليدية إلى البيت الأبيض بعد غياب استمر أربعة أعوام كانت حامية الوطيس على صعيد الدولة العميقة في واشنطن، وأروقة المحاكم في نيويورك. كانت تلك السنوات الأربع بدون شك مليئة بالأحداث والمعارك التي كادت أن تحطم الرئيس السابق دونالد ترمب إلى الأبد؛ ولكن ذاك الرجل كان يضع نصب عينيه الانتصار في الحرب دون الالتفات إلى المعارك العابرة. تمكن ترمب من الوصول إلى البيت الأبيض بالرغم من كل التحديات والعناء، فهل ستكون السنوات الأربع المقبلة مختلفة؟ يمكن تشخيص المشهد والإجابة عن هذا التساؤل من خلال استعراض عدد من العوامل المهمة التي قد تكون مؤثرة في إدارة ترمب القادمة، وهي كالآتي -على سبيل المثال لا الحصر-: أولاً: محاولات الاغتيال الفاشلة التي انعكست بشكل واضح على شخصية ترمب، بعد محاولة الاغتيال في ولاية بنسلفانيا تحدث ترمب علنًا في كثير من الأحيان عن التدخل الإلهي، معتقدًا أن الله أنقذه من أجل إنقاذ البلاد، وكثيرًا ما يقول أيضًا إن المهاجمين يلاحقون الرؤساء العظماء. وفي هذا السياق قالت إليز ستيفانيك، النائبة عن نيويورك، وهي مقربة للرئيس المنتخب: "إنها تحدثت إلى ترمب في الصباح التالي لإطلاق النار في تجمع بتلر، من الواضح، عندما تقترب من نتيجة مختلفة تمامًا بمقدار نصف بوصة، فسوف يؤثر ذلك عليك". وأضافت: "بالطبع، تلك اللحظات تجعلك تفكر حقًا في قوة أعلى، وأعتقد أنها أسهمت في تقوية الرئيس ترمب وتنشيطه". وقال النائب عن فلوريدا بايرون دونالدز في ذات الصدد: "عندما تكاد تفقد حياتك، فإنها تؤثر فيك، إنها ستبقى معه، ولكن هذا لا يغير تصميمه؛ إن تصميمه قوي أكثر من أي وقت مضى". ثانيًا: الخبرة المكتسبة في الفترة الرئاسية الأولى وإعادة ترتيب الأوراق، وتقييم الحلفاء داخل واشنطن وخارجها. ومن أبرز القرارات التي تعكس حالة الاختلاف التي سيكون عليها ترمب خلال فترة رئاسته الثانية في هذا الإطار هي القرارات المتعلقة بتشكيل حكومته المقبلة، والتي تعد بدون شك غير تقليدية في أقل تشخيص لها. فاختيار رجل الأعمال الرائد إيلون ماسك يعد مؤشرًا قويًا على الرغبة في تصحيح مسار الاقتصاد، وحول تعيين ماسك يقول رجل العمال جيف بيزوس الذي لا يحمل الكثير من الود للرئيس المنتخب دونالد ترمب: " إنه متفائل للغاية بشأن إدارة ترمب القادمة، ويعرض المساعدة في تبسيط اللوائح ورفض المخاوف بشأن استغلال إيلون ماسك لسلطة الحكومة ضد المنافسين. وأضاف: "يبدو أن لديه الكثير من الطاقة فيما يتعلق بتقليص القيود التنظيمية، ومن وجهة نظري، إذا كان بإمكاني مساعدته على القيام بذلك، فسوف أساعده لأن لدينا الكثير من القوانين واللوائح الضارة في هذا البلد.". كذلك اختيار الرئيس المنتخب ترمب، كاش باتيل ذا الأصول الهندية لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية دليل قاطع على التصميم نحو إجتثاث الفساد من جذوره. ثالثًا: عودة ترمب التاريخية من خلال الفوز الساحق عبر صناديق الاقتراع وتصويت جميع الولايات المتأرجحة لصالحه، ويعكس العنصر الأكثر أهمية وتأثيرًا. الفوز ب (312) صوتًا انتخابيًا من أصل (538) يعد بمثابة رسالة صريحة وتفويض شعبي قوي للرئيس المنتخب بأن يغير الواقع مهما تطلب الأمر وبأي طريقة ممكنة للخروج من مستنقع الفساد وتحييد الملأ في واشنطن. وفي هذا الصدد قال مايك ديفيس، كبير المستشارين في مجلس الشيوخ: "فاز ترمب بأغلبية ساحقة تاريخية (312) صوتًا انتخابيًا، واكتسح جميع الولايات السبع المتأرجحة، هذا تفويض للتغيير". تلك هي العوامل، فما الأثر المتوقع؟ الكثير من المراقبين خصوصًا في المعسكر الجمهوري يعتقدون بأن فترة ترمب القادمة تعد الفرصة الذهبية والأخيرة لإنقاذ التيار المحافظ في أميركا. هذا التيار الذي يعتمد في مجمله على أفكار رأس مال وسياساته، والتي تتمحور في تقليص حجم الحكومة وتقليل الإنفاق وتعزيز الحضور الأميركي داخل المشهد الدولي من خلال الفكر القومي والحضور العسكري.