أصبح التنقيب عن البيانات (Data Mining) من الأدوات الأساسية التي تعتمد عليها المنظمات لاتخاذ قرارات مستنيرة وتحقيق ميزة تنافسية، هذه التقنية تتجاوز المفهوم التقليدي لجمع البيانات وتحليلها لتشمل تقنيات متقدمة تُساعد في استخراج المعرفة والأنماط المخفية من الكميات الهائلة من البيانات عبر استخدام أدوات إحصائية وخوارزميات تعلم الآلة لاستكشاف الأنماط والعلاقات والاتجاهات بهدف تحويلها إلى معلومات مفيدة تدعم عملية اتخاذ القرار. يُعد استخراج البيانات أمرًا ضروريًا لنجاح مختلف أنواع المنظمات، هذه البيانات يتم استخراجها من مصادر متنوعة منها نظام إدارة علاقات العملاء والموقع الإلكتروني ومنصات الوسائط الاجتماعية بالاضافة الى العديد من المصادر الأخرى داخل المنظمة وخارجها، ويتم جمعها من خلال مختصين يقومون بتحليلها وتحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام، فبمجرد أن تصبح البيانات منطقية وقابلة للفهم، يمكن تمثيلها باستخدام أدوات تصور البيانات، مثل الرسوم البيانية أو الخرائط أو المخططات. مجال تنقيب البيانات بدأ تاريخيًا كعملية بسيطة لجمع البيانات بواسطة أجهزة الحاسب الآلي والأقراص والأشرطة وغيرها، والتي كانت تتضمن في الغالب بيانات عن الإيرادات وسجلات المبيعات، ثم مع مرور الوقت تم ابتكار مستودعات البيانات. ورغم أن عملية استخراجها من هذه المستودعات قد تبدو معقدة، إلا أنها سهلة الإتقان من من خلال أحد أدوات وتقنيات التنقيب المتخصصة المعروفة في استخراج البيانات، وهي النمذجة الوصفية Descriptive modeling، النمذجة التنبؤية Predictive modeling، أشجار القرار Decision trees، الشبكات العصبية Neural networks تحليل الانحدار Regression analysis، تخزين البيانات Data warehousing وغيرها، هذه التقنيات لا بد أن تُستخدم من خلال إجراءات وخطوات يتم عبرها استكشاف البيانات وإثبات صحة النموذج وأدائه. التسويق الرقمي يعتبر واحدًا من أبرز القطاعات التي استفادت بشكل كبير من تطبيقات التنقيب عن البيانات، وذلك في مجال تحليل سلوك العملاء مثل أنماط الشراء وتفضيلات المنتجات، كذلك في مجال تقسيم السوق إلى مجموعات فرعية بناءً على الخصائص المشتركة للعملاء بغرض عمل مواصفات خاصة لكل فئة وتصميم حملات تسويقية مناسبة لكل منهم، ايضا الاستفادة منها في مجال التنبؤ بالطلب المستقبلي للاستفادة منها في تخطيط عمليات الإنتاج وإدارة المخزون، كذلك في مجال إدارة علاقات العملاء من خلال تقديم رؤى حول زيادة ولاء العملاء وتحسين تجربتهم، بالإضافة إلى كشف الاحتيال في مجالات التجارة الإلكترونية لتساعد على التنبية عن الأنشطة غير الطبيعية التي قد تؤدي إلى عمليات الاحتيال، هذه المجالات وأكثر تساعد على تعزيز القدرة على اتخاذ قرارات تسويق استراتيجية حصيفة. التنقيب عن البيانات بات جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات التسويق الحديثة، فمن خلاله يساعد المنظمات على فهم عملائها بشكل أفضل وتحسين كفاءة عملياتها، أيضاً تقليل التكاليف وتعزيز القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، بالإضافة إلى زيادة عائد الاستثمار، ولكن رغم هذه الفوائد والعديد غيرها هناك تحديات تواجه عملية التنقيب منها حماية خصوصية البيانات، والحاجة إلى مهارات تقنية عالية، والتعامل مع البيانات غير المنظمة أو غير الكاملة، هذه التحديات بالإمكان تجاوزها مع التطور التقني الحديث، ليصبح التنقيب عن البيانات أداة محورية في رسم ملامح مستقبل التسويق.