تشهد مدينة الرياض اليوم لحظة تاريخية مع انطلاق مترو الرياض، هذا المشروع الطموح الذي يمثل خطوة نوعية نحو تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، تلك الرؤية التي تسعى إلى بناء مستقبل مشرق ومتقدم على كافة الأصعدة. يتميز مترو الرياض بمواصفات عالمية تجعله واحدًا من أكبر مشاريع النقل الحضري على مستوى العالم، حيث يمتد عبر شبكة ضخمة من الخطوط الحديثة والمجهزة بأحدث التقنيات بعدد 6 مسارات يبلغ طولها 176 كيلومتراً، من خلال 84 محطة، ليكون حجر الزاوية في منظومة النقل الذكية في العاصمة. ولا يقتصر دور هذا المشروع على كونه وسيلة نقل حديثة فحسب، بل يتجاوز ذلك ليصبح أداة استراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. من خلال تقليل الاعتماد على المركبات الخاصة، مما يُسهم بشكل مباشر في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء، ومما يعزز من صحة البيئة وسلامتها. ويساهم في تحسين كفاءة التنقل في المدينة، وكذلك يقلل من أوقات الانتظار والازدحام المروري الذي نشهده، حيث يرى خبراء النقل العام بأنه سيسهم في خفض عدد رحلات المركبات بمقدار 250ألف رحلة يومياً مما يؤدي إلى توفير نحو400ألف لتر من الوقود يومياً. كذلك يمثل مترو الرياض دافعًا إضافيًا لتشجيع أفراد المجتمع على ممارسة رياضة المشي، سواء عبر التنقل بين المحطات أو الوصول إليها. فمع ازدياد الحركة اليومية والنشاط البدني، يمكن أن يسهم ذلك في الحد من انتشار الأمراض المزمنة مثل السمنة والسكري، والتي تعد من أبرز التحديات الصحية في المملكة، حيث بلغ انتشار السمنة بين سكان المملكة (15سنة فأكثر) (23.1%) وفق نشرة الهيئة العامة للإحصاء لعام 2024م، إن الربط بين النقل الحديث والنشاط الصحي يمثل رؤية متكاملة لتحسين جودة الحياة في المجتمع السعودي. وإلى جانب أثره البيئي والصحي، يُسهم مترو الرياض بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص عمل جديدة للمواطنين، فالمشروع يتطلب إدارة وتشغيل وصيانة مستمرة، إلى جانب الخدمات المرتبطة به، مما يفتح المجال أمام الشباب السعودي للعمل في مجالات متعددة تشمل الهندسة، التقنية، التشغيل، خدمة العملاء، والأمن والسلامة. كما يساهم في تعزيز قطاع الخدمات المرتبطة بالنقل العام، مثل متاجر التجزئة والمطاعم التي تنمو حول محطات المترو. حيث تُظهر التجارب العالمية أن مشاريع المترو تسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني. فعلى سبيل المثال، مترو لندن، الذي يُعد من أقدم وأشهر أنظمة النقل العام في العالم، يسهم بشكل كبير في الاقتصاد البريطاني. وفقًا لتقرير صادر عن "Transport for London"، يولد نظام المترو حوالي 10 مليارات جنيه إسترليني سنويًا من العائدات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، تشمل تعزيز الإنتاجية وتقليل زمن التنقل وزيادة النشاط التجاري حول المحطات. كما أن استثمارات البنية التحتية في المترو تُقدر بمضاعفة كل جنيه يتم إنفاقه من خلال عوائد اقتصادية طويلة المدى. وبينما يُعد مترو الرياض منجزًا حضاريًا، فإنه يتطلب من المواطنين والمقيمين والزائرين التعاون للمحافظة عليه، وذلك من خلال الاستخدام الأمثل له وتفضيله على وسائل النقل الأخرى، وكذلك التعامل بكل حرص وانضباطية مع جميع مكوناته من عربات ذكية أو محطات التشغيل التي يغطيها، وذلك باتباع إرشادات الأمن والسلامة، إن احترام ذلك يعكس الوعي المجتمعي والمسؤولية الجماعية نحو الحفاظ على مكتسبات الوطن. وهنا يأتي أهمية دور الشركة المشغلة لهذا المشروع الحيوي بتنظيم العديد من الحملات الإعلامية والتوعوية وبعدة لغات، للتعريف بالمشروع، وتثقيف أفراد المجتمع حيال كيفية الاستفادة من خدماته ومرافقه بطريقة آمنة وسلسة، وتقديم العروض المحفزة لتفضيله، وبما يضمن استدامته والمحافظة على مكتسباته. ختامًا إن تشغيل مترو الرياض يمثل بداية جديدة لعصر النقل الحديث في المملكة، ويؤكد التزامها بتطوير بنية تحتية مستدامة ومتقدمة. هذا المشروع ليس مجرد وسيلة تنقل، بل هو رؤية تترجم طموحات المستقبل، وتضع الرياض في مصاف المدن العالمية الرائدة. *مستشار التواصل المؤسسي - خبير المسؤولية الاجتماعية والاستدامة. X: @Ayedhaa