بين فن الدان من حضرموت، ورقصة الهبيش التراثية الموغلة في جذور التاريخ اليمني، سافر جمهور حفل الأوركسترا اليمنية في رحلة تاريخية بين أوتار تحمل بين نغماتها شجن الكلمة، وإحساس شعراء صاغوا بحروفهم مشاعر مختلفة بين الفرح والحزن والألم، فيما رافقت الإيقاعات والآلات الموسيقية المختلفة تلك المقطوعات المعزوفة بقيادة المايسترو محمد القحوم، خلال الأمسية التي نظمتها وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة الإعلام والثقافة والسياحة اليمنية (مساء الأحد 17 نوفمبر) على مسرح المركز الملك فهد الثقافي بالرياض، واستضافت خلالها فرقة الأوركسترا اليمنية. وقدمت فرقة الأوركسترا اليمنية التي تعد أحد البرامج الرائدة لوزارة الإعلام والثقافة والسياحة اليمنية ألواناً موسيقية وغنائية متنوعة، مستوحاة من ألوان التراث اليمني، كالعدني والصنعاني والحضرمي، فيما شاركهم موسيقيون سعوديون قدموا مجموعة من المقطوعات التراثية المشتركة بين البلدين، ليشكلوا مزيجاً فريداً يحمل أصالة النغم والأداء العصري المبتكر. تنقلت فرقة الأوركسترا اليمنية بين مجموعة من المقطوعات الموسيقية القديمة كمعزوفة "مزمار الهبيش" والأغاني الخالدة في ذاكرة الجمهور العربي، والتي تحمل بين طياتها حكايات المشاعر السرمدية، ومنها: نداء العشق الذي أطلقه الفنان الراحل أبو بكر سالم بالفقيه عبر أغنيته "ما علينا" والتي حاول من خلالها صد همسات الحاسدين، لتصبح أغنيته أيقونة تتناقل بين الأجيال. وعاش الجمهور وسط حكاية عشق درامية عبر أغنية "خطر غصن القنا" التي صاغ كلماتها مطهر الإرياني، وتم غناؤها في سبعينيات القرن الماضي بلون صنعاني بألحان الموسيقار علي بن علي الآنسي، وكانت تصوّر نسمات العشق الأول وما يعتريها من قصص مؤلمة في بعض الأحيان، وكانت الأغنية مقترنة ب"آلة القنبوس" وهي عود قصير الزند نشأ في اليمن، ويتكون من أربعة أوتار. وعلى الرغم من أن الحفل يعتمد بدرجة كبيرة على الأغاني التراثية التي كانت تعتمد على آلات بسيطة كالعود والإيقاعات والكمنجات، إلا أن فرقة الأوركسترا اليمنية أكدت على ما تتمتع به الأغنية واللحن الصنعاني والعدني من التجدد ومواكبة العصر، بعد أن أدخلوا العديد من الآلات الموسيقية التي أعطتها بعداً فنياً جذاباً وجديداً، خصوصاً عبر "الميدلي" الذي أبرز الإرث الغنائي اليمني ك: يوم الأحد في طريقي، وياليالي ياليالي، وياقمر يا يماني. فيما عبر الفنانون السعوديون عن عمق العلاقة التي تربط البلدين، من خلال مشاركتهم بأداء مجموعة من الأغاني اليمنية المشهورة، إضافة لتأدية "ميدلي" جمع أبرز الأغاني الوطنية ك: وطني الحبيب، وأنت ملك، ويا سلامي عليكم يا السعودية، وفوق هام السحب، ويا بلادي واصلي. كما تعرّف زوار الحفل على تاريخ الآلات الموسيقية وطرق تصنيعها وتطور نشأتها عبر الركن الذي خصصته هيئة الموسيقى الذي وفر تجربة تعليمية غنية للحضور عبر الخبراء المشاركين فيه، وشاشات العرض التي قدمت أفلاماً وثائقية عن بعض الآلات. يذكر أن وزارة الثقافة تهدف من خلال استضافتها لحفل الأوركسترا اليمنية إلى ترسيخ التبادل والتعاون الثقافي بين البلدين، وتنمية القطاعات الثقافية بينهم، واستمرارية الحفاظ على التراث، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية.