مثل قطعة شطرنج غائبة عن رقعة اللعب، ألقى دونالد ترمب بظلاله على قمة مجموعة العشرين، التي انعقدت منتصف هذا الأسبوع في البرازيل، حيث يتخوف الجميع، بمن فيهم حلفاء واشنطن، من فرض رسوم جمركية مرعبة عندما يستلم الرئيس المنتخب منصبه مطلع العام المقبل، من جهته استغل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا فرصة استضافة القمة في بلاده، وسار على خطى الهند في تعزيز مصالح الجنوب العالمي، وسلط عامل المصنع السابق الذي تحول إلى رئيس يساري، الضوء على معاناة المجتمعات الجنوبية ذات الاقتصادات الأقل رخاءً، والتي شعرت لعقود طويلة بالإهمال وعدم الإنصاف من قبل المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب. تسلّمت البرازيل رئاسة المجموعة من الهند، وقبلها كانت إندونيسيا، في حين ستكون جنوب إفريقيا هي التالية، قبل أن تعود الولاياتالمتحدة لتسلّم قمة المجموعة في عام 2026، ومن المؤكد أن من يتولى رئاسة المجموعة يلعب دوراً محورياً، ولذا، فإن تولي أربع دول من الجنوب العالمي زمام المبادرة يسهم في دفع أجندة الدول النامية إلى مركز الصدارة، فالبرازيل استفادت من رئاسة الهند، والهند استفادت من رئاسة إندونيسيا، وجنوب إفريقيا ستستفيد من رئاسة البرازيل، ومع كل رئاسة لاحقة للجنوب، تزداد أجندة المنطقة قوة وجاذبية، وعلى سبيل المثال، فإنه لولا انعقاد قمة العام الماضي في الهند، لما كان يمكن إدراج الاتحاد الإفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين. تزامن اجتماع مجموعة العشرين في البرازيل، مع انتهاء اجتماع قادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في بيرو، ويسلط هذان الاجتماعان الضوء على لحظة الجنوب العالمي في الحوكمة العالمية، وباعتبارها تمثل أكثر من 40 % من الاقتصاد العالمي، فإن دول الجنوب العالمي يمكنها إعادة تشكيل مشهد الاقتصاد العالمي بشكل عميق، ما يمنح المزيد من الدول الأصغر فرصة المشاركة في صناعة القرار العالمي، وهذا الأمر يساعد في تعزيز نظام حوكمة عالمي أكثر توازناً واستقراراً، ومع ذلك، يتم تجاهل المطالب المشروعة للجنوب العالمي، ومن الواضح أن هذه الدول تعمل حالياً بشكل منسق على تعزيز تمثيلها وصوتها من أجل إعادة توجيه الحوكمة العالمية نحو بوصلة أكثر عدالة وإنصافًا. عندما تتولى الولاياتالمتحدة زمام مجموعة العشرين في عام 2026، سيكون الرئيس ترمب في العام الثاني من ولايته، وبالرغم من أن هذا الانتقال سيعزز مرة أخرى الأجندة الغربية داخل المجموعة، إلا أن الدول الناشئة الرئيسة داخل المجموعة يمكنها الاستمرار حتى تلك اللحظة في تضخيم صوت الجنوب العالمي، خاصة أن هناك لحظات مد وجذر مرت بها المجموعة، وعلى سبيل المثال، في عهد بايدن كانت مجموعة العشرين تحظى بأهمية أقل من مجموعة السبع الكبرى، وذلك بسبب شدة الصراع الثلاثي بين واشنطن وبكين وموسكو، أما بالنسبة لمجموعة بريكس، التي يعول عليها الكثيرون، فإنه بالرغم من شعور دول المجموعة بالتضامن وضرورة التصدي للغرب من خلال تقديم رؤية بديلة للنظام العالمي، إلا أن هذا لا يمنح بريكس نفوذاً أكبر داخل مجموعة العشرين، حيث يظل للأعضاء الآخرين أولوياتهم الخاصة.