من منا لم يتخيل يوماً التجول في شوارع لندن الضبابية والتقاط صورة مع ساعة "بيغ بين" الشهيرة، أو الاستمتاع بفنجان شاي دافئ في حديقة "هايد بارك" الخضراء وسط نسائمها المنعشة؟ لكن عندما تتحول هذه الخيالات إلى واقع، قد نجد أنفسنا نواجه تحديات لم تكن نتوقعها، وأبرزها تجربة أجواء البرد القارس التي تشتهر بها بريطانيا. ففي أول فصل شتاء خلال الابتعاث، وبشكل نادر حصل أن انخفضت الحرارة إلى 10 درجات تحت الصفر، وهذه تجربة لم أتخيل صعوبتها حتى عشتها بنفسي. وفي محاولة للتكيف، صرت أترك المدفأة الكهربائية وسخان المياه يعملان ليل نهار في شقتي الصغيرة. لكن بعد أسابيع، وصلتني فاتورة كهرباء بما يعادل 5000 ريال لشهر واحد! صُعِقت لهول المفاجأة من معرفة قيمة الاستهلاك الباهظة جدا، وانتابني القلق خوفا من قطع التيار في حال عدم السداد. لحسن الحظ، وجدت أحد زملاء الدراسة المحليين والذي نصحني بالتواصل مع شركة الكهرباء، وتقديم طلب لتقسيط مبلغ الفاتورة على دفعات خلال السنة لضمان استمرار الخدمة، وأيضًا الاشتراك في باقة خدمة كهرباء مخصصة تعطي أسعارا مخفّضة خلال ساعات الليل. وكذلك الحرص على ارتداء الملابس المناسبة داخل البيت وخارجه، والأهم هو الاهتمام بجودة وجبات الطعام للشعور بالدفء على مدار اليوم. طبقت هذه النصائح، وتمكنت من التكيف مع برودة فصل الشتاء الموسمية طوال فترة الابتعاث. وكان الدرس الذي تعلمته بالطريقة الصعبة هو ضرورة معرفة العادات والطرق التي يتبعها السكان المحليون في أي بلد للتأقلم مع ظروف حياتهم، وذلك يشمل أمورًا عِدّة منها المناخية والمالية. فعدم الإلمام بمثل هذه الأمور قد يؤدي إلى مفاجآت أو مواقف صعبة كما حصل معي في هذه القصة. أخيراً، عندما شكوت برودة الجو هذه لأحد أصدقائي المبتعثين في كندا، ضحك وقال متهكما أن هذا البرد لا يُقارن ببرد مدينة أونتاريو، ففي الشتاء هناك قد تصل الحرارة إلى أقل من 30 درجة تحت الصفر.