تعتبر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إحدى الركائز الأساسية التي تدعم النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل في العديد من الدول. وفي المملكة تلعب هذه التدفقات دورًا حيويًا ضمن إطار «رؤية 2030» التي تهدف إلى جعل المملكة وجهة استثمارية عالمية جاذبة. فقد بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة حوالي 96 مليار ريال سعودي خلال عام 2023، متجاوزة المستهدف الوطني بنسبة 16 %، مما يعكس الثقة المتزايدة بالاقتصاد السعودي وقدرته على جذب الاستثمارات، كما ذكر تقرير من موقع أرقام. وتساهم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي من خلال زيادة رأس المال المتاح وتعزيز فرص العمل ونقل التكنولوجيا، مما يشجع على الابتكار ويدعم النمو المستدام. وتعتمد المملكة على تنويع اقتصادها عبر استقطاب استثمارات نوعية في القطاعات غير النفطية، مثل الصناعة والخدمات المالية والتجارة والبنية التحتية والتقنيات المتقدمة. على سبيل المثال، سجل قطاع الصناعات التحويلية في المملكة رصيدًا من الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 258.7 مليار ريال، فيما حقق قطاع التجارة حوالي 134.8 مليار ريال، مما يعكس الدور البارز لهذه القطاعات في دعم التنوع الاقتصادي، وفقاً للتقارير المحلية. هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات اقتصادية؛ بل تعكس تأثيرًا ملموسًا على حياة المواطنين، حيث أسهمت الاستثمارات الأجنبية في توفير فرص عمل جديدة وتطوير الكفاءات المحلية. فمن خلال وجود شركات أجنبية ذات خبرة عالمية، تمكن العديد من الشباب السعودي من الحصول على فرص عمل نوعية، مما يعزز من مهاراتهم ويفتح لهم آفاقًا جديدة. فعلى سبيل المثال، قامت شركة سيمنز الألمانية بإنشاء مركز تدريب في المملكة، مما أتاح الفرصة لتوظيف وتدريب مئات الشباب السعودي على أحدث التقنيات العالمية، ليكونوا جزءًا من التوجه نحو اقتصاد المعرفة. ولا يقتصر أثر الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الاقتصاد وسوق العمل، بل يشمل تحسين جودة الحياة بفضل التطورات في البنية التحتية والخدمات العامة، حيث وفرت الاستثمارات الأجنبية التمويل اللازم للمشاريع الحيوية، ما انعكس إيجابيًا على مستوى الحياة في المملكة. كما ساعدت هذه الاستثمارات في تطوير مجالات حيوية كالتعليم والرعاية الصحية، مما يدعم المجتمع بشكل عام ويجعل الحياة في المملكة أكثر ازدهارًا. في ظل رؤية 2030، لا يقتصر الهدف على دعم الحاضر فحسب، بل يمتد إلى تحقيق مستقبل مستدام للأجيال القادمة. فقد صرح سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سيدي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قائلاً: "نعمل جاهدين لتحويل اقتصادنا إلى اقتصاد يعتمد على الابتكار والاستدامة، ولن يكون هذا ممكنًا دون تعزيز الاستثمار الأجنبي"، هذا التصريح يعكس التزام القيادة السعودية بجعل الاستثمارات الأجنبية جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى تحويل المملكة إلى مركز اقتصادي عالمي، يوفر فرص عمل مستدامة ومستوى حياة متقدم لمواطنيها. وفي إطار تعزيز جاذبيتها الاستثمارية، عملت المملكة على تحسين الإطار القانوني والتنظيمي، حيث قامت بتحديث الأنظمة والقوانين المتعلقة بالاستثمار، بما يشمل السماح للشركات الأجنبية بتملك كامل في قطاعات عديدة، دون الحاجة إلى شريك محلي. كما أطلقت المملكة استراتيجية وطنية للاستثمار بدعم ميزانية ضخمة تبلغ حوالي 12.4 تريليون ريال، بهدف تعزيز الابتكار ودعم التقنيات الحديثة في مختلف القطاعات. تشمل هذه الاستراتيجية مشاريع ضخمة للبنية التحتية، مثل المدن الاقتصادية والمناطق الحرة، ما يسهم في تسهيل دخول المستثمرين الأجانب وتوسيع فرص الاستثمار، إلى جانب توقيع المملكة لاتفاقيات شراكة اقتصادية مع العديد من الدول، مما يزيد من جاذبية السوق السعودي للمستثمرين الدوليين. بفضل هذه الإصلاحات والترتيبات، تمكنت المملكة من تحقيق مكانة متقدمة على الصعيد العالمي، حيث تحتل المرتبة الرابعة ضمن دول مجموعة العشرين من حيث معدل نمو رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به على مستوى المنطقة. هذا النجاح يعكس التزام المملكة بالابتكار الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، ويضعها في مصاف الدول الجاذبة للاستثمار، حيث تتوفر بيئة آمنة ومستقرة ومشجعة للاستثمارات الضخمة. في الختام، تظل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر حجر الزاوية في دعم الاقتصاد السعودي، وتؤدي دورًا حيويًا في تحقيق الأهداف الاقتصادية لرؤية 2030. من خلال جذب الاستثمارات وتطوير القطاعات غير النفطية، تواصل المملكة مسيرتها نحو اقتصاد مستدام يضمن مستقبلًا واعدًا لمواطنيها، كما أشارت التقارير.