في زمن سيطرت فيه الشهرة على الكثير من الناس وأصبحوا يسعون لها بشتى الطرق يبرز سؤال مهم وهو: هل للشهرة لذة؟ الجواب نعم.. وعلى مر التاريخ البشري كانت الشهرة وحب البروز حاضرة وإن كانت بأشكال مختلفة تناسب طبيعة المجتمعات ومعطياتها المادية في كل زمن، فلو نظرنا إلى المجتمعات العربة القديمة لوجدنا الشهرة محصورة في الكرم والشجاعة.. فهذا حاتم الطائي تبلغ شهرته الآفاق عبر كرمه غير المسبوق، وهذا عنترة بن شداد تبلغ شهرته هو الآخر الآفاق عبر شجاعته منقطعة النظير، وكان دافع الشهرة والبروز الاجتماعي وراء أن يضحي الأول بماله والثاني بحياته، وجاء الإسلام ووضع مفهوماً جديداً للعطاء المادي والمعنوي "الشهرة" وهو عدم ارتباطه بالبروز الاجتماعي. ولعل أسوأ مراحل الشهرة هو ما نشاهده اليوم من مفهوم للشهرة، والسبب يكمن في وجود العالم الافتراضي الذي جعل الشخص يبدو كريماً وهو بخيل، ويبدو شجاعاً وهو جبان، ويبدو غنياً وهو فقير.. إلخ. فلم يعد الكرم والشجاعة والغنى مكلفة كما كان سابقاً، فيكفي شاب لديه برنامج سناب شات وسيارة إيجار، أو بيت إيجار، أو تمثيلية إهداء سيارة أو ناقة، أو شيك مليوني لتصبح الشيخ فلان الفلاني الكريم والشجاع والثري.. وإلى هنا المشكلة بسيطة لدى العقلاء الذين يعلمون هذه الحقيقة، ولكن المصيبة لدى الجهلاء -وهم الغالبية مع الأسف- الذين ينظرون إلى هذا العالم الافتراضي المزور على أنه العالم الحقيقي، ما أثر على حياتهم الشخصية، وحياة أسرهم، وتصوراتهم لأنفسهم وللآخرين. فأصبحنا نرى حالات النزاع الأسري، واحتمال الديون الكبيرة، بل وقد تصل إلى حالات الطلاق، وكذلك ارتفاع حالات القلق والاكتئاب، لذلك من المهم زيادة الوعي في المجتمع فيما يخص هذه الشهرة الزائفة وهذا البروز الاجتماعي غير الحقيقي، ولنتذكر أن هناك بعض المشاهير الحقيقين وهم مشاهير السماء الذين تصدح أسماؤهم في الأرجاء، وبلغت رتبة شرفهم السماء دون سوشيل ميديا ولا منابر إعلامية، ولا حسابات مليونية، ومنهم العالم والطبيب والمهندس وربة البيت والطالب وعامل النظافة والخادمة.. إلخ. لقد أحبهم الله ثم جبريل ثم أهل السماء ثم أهل الأرض، لا يضرهم أننا لا نعرفهم، فيكفيهم معرفة الله وجبريل وأهل السماء.. لمثل هذه الشهرة يجب أن نوجه أبناءنا وبناتنا.