أكاد أجزم أن "قطارات الأنفاق" تكاد تكون إحدى أفضل وسائل التواصل الاستراتيجي، والتي تتجاوز كونها قناة إلى منظومة تواصل متكاملة، تحقق التغذية الراجعة، وتقيس الأثر، وذلك لوجود جموع ضخمة تستخدمها يومياً. ونحن إذ نترقب بدء تشغيل قطار النقل العام في العاصمة "مترو الرياض"، أجدها فرصة لتناول أفضل طرق الاستفادة الاتصالية من هذه النقلة النوعية، الذي يعتمد نجاحها على دراسة طبيعة الركاب واختيار الاستراتيجيات المناسبة، وهو جوهر التواصل الاستراتيجي، وذلك بواسطة تحليل بيانات الركاب، وفهم مساراتهم وأوقات سفرهم، مما يحسن الوصول إلى الجمهور في الأوقات الأكثر ازدحاماً أو محطات الحركة المرتفعة، والتركيز على فئات معينة من الركاب أو تخصيص رسائل بناءً على المحطة أو توقيت الرحلة. يأتي على رأس الأدوات: الإعلانات المرئية ورموز الاستجابة السريعة، والشاشات الرقمية وشاشات اللمس التفاعلية، على جدران المحطات أو داخل العربات، باستخدام محتوى مرئي مبتكر يُركز على الرسائل البصرية البسيطة والملفتة، بما أن الركاب يمرون بسرعة أو ينتظرون لوقت قصير، يجب أن تكون الرسالة مباشرة وسهلة الفهم، حتى يتفاعل الجمهور مع العلامة التجارية أو الرسالة. أيضاً توزيع المنشورات المجانية: وأهمها الصحف والمجلات، مثل صحيفة "ميترو" في لندن، و"عشرون دقيقة" في باريس، و"مترو الصين" في بكين وشنغهاي، وهي إحدى أهم الوسائل الاستراتيجية المؤثرة، خاصة إذا كان محتواها مناسباً لاهتمامات الركاب، كالأخبار، الترفيه، الطعام، الخدمات. كذلك تعد محطات القطار أو المناطق القريبة منها من أفضل مواقع التسويق الميداني، مثل توزيع عينات مجانية أو تنظيم فعاليات تفاعلية، تُشجع الركاب على التعرف على المنتج أو الخدمة، وتُنجح حينما تقديم عروض أو خصومات حصرية للركاب. من أهم وسائل نجاح حملات التواصل هو وجود شراكات بين مقدمي خدمات النقل في المدينة، سواء من حافلات وقطارات وسيارات أجرة، مثل البطاقات المشتركة، أو التطبيقات الإلكترونية، شاملاً الخصومات المتبادلة، أيضاً ساهم إصدار التذاكر وتقديم الخدمات عبر التطبيقات الإلكترونية إلى تحويلها إلى منصة تواصل مؤثر، ليس فقط لإشعار الركاب بالجداول الزمنية، أو التحديثات، بل الإعلانات وغيرها. داخل المحطات والقطار نفسه يمكن استغلال خدمات الإنترنت المجانية أو المدفوعة، لتقديم إعلانات أو محتوى رقمي يظهر عند الاتصال بالشبكة، ناهيك عن بث الإعلانات الصوتية، التي تُذكر الركاب بعروض خاصة أو رسائل ترويجية، وتكون قصيرة وجذابة نظراً لسرعة الحركة والبيئة المزدحمة. ولا يمكن أن ننسى أهمية دمج استراتيجيات التواصل في قطارات الأنفاق مع محتوى منصاتها الرقمية، وذلك لتشجيع الركاب على المتابعة والتفاعل، ونظراً لكون القطارات جزءا من منظومة النقل العام، فمن المهم تعزيز العلامة التجارية ورفع التفاعل الإيجابي عبر تفعيل المسؤولية الاجتماعية، بواسطة ربط حملات التواصل الاستراتيجي بمبادرات اجتماعية مثل حملات النظافة أو التوعية الصحية في قطارات الأنفاق. لا يمكن التوقف عن تعداد أو ابتكار قنوات التواصل الاستراتيجي في قطارات الأنفاق، غير أن سر النجاح يعتمد على وجود استراتيجية تواصل، معتمدة على تحليل بيانات الركاب وتكامل الأدوات الرقمية.