تعرض قطاع البنوك المدرجة في سوق الأسهم السعودية لضغوط بيعيه خلال الأسابيع الماضية بعد تطور الأحداث الجيوسياسية في المنطقة، فتراجعت أسهم جميع البنوك بدون استثناء، بنك البلاد تراجع بأكثر من 12 % ومصرف الراجحي تراجع بأكثر من 8 % ثم بنك الجزيرة حوالي 8 % فهل هذا التراجع كان بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة؟ بالتأكيد إن قطاع البنوك من أكثر قطاعات السوق حساسية لأي أحداث جيوسياسية، لأن طبيعة أعمال البنوك تعتمد على الائتمان وأي مؤشرات حول نشوب صراعات أو نزاعات في المنطقة فإن المستثمرين ينظرون إلى احتمالية تعرض البنوك إلى مخاطر الائتمان، الحروب بلا شك لها تأثير كبير على الاقتصاد حتى لو كانت الحروب بعيدة عن المنطقة مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على جميع الاقتصادات ولازالت آثارها حتى اليوم، منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد منطقة الخليج سوف تتأثر من الصراع الذي يلوح في الأفق بين إسرائيل وإيران والذي سينجم عنه أضرار جسيمة للبنية الأساسية واحتمال تعرض الممرات البحرية للخطر، وتعطل سلاسل الإمداد، وكالة بلومبيرغ إنتليجنس تقدر أن الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران يمكن أن يدفع أسعار النفط الخام إلى 150 دولارًا للبرميل، مما يشكل المزيد من التحديات لاستقرار الاقتصاد العالمي، بينما لا يزال مضيق هرمز وهو ممر شحن حيوي للنفط نقطة اشتعال محتملة في المنطقة، وكل هذه الأخبار والتحليلات السياسية والاقتصادية تزيد من شكوك المستثمرين في الاستثمار في الأسهم ولذلك يفضل بعض المستثمرين تسييل بعض الأسهم التي قد تتعرض لمخاطر الأحداث الجيوسياسية وخصوصًا أسهم البنوك لأن تعرضها لمخاطر الائتمان كبير ولذلك لاحظنا خلال الفترة الماضية ضغوط بيعية على أسهم البنوك وقد تستمر هذه الضغوط لو وجهت إسرائيل ضربة قوية لإيران وخصوصا المنشآت النفطية والتي قد تنزلق إلى حرب مفتوحة، ومع أن خفض أسعار الفائدة هو لصالح البنوك التي لديها انكشاف أعلى على شريحة الأفراد إلا أن البنوك التي تعرضت أكثر للضغط هي البنوك المنكشفة على الأفراد وهذا ما يفسر تأثير أحداث المنطقة، خفض أسعار الفائدة قد يضغط على أرباح البنوك المنكشفة على الشركات والتي في الغالب تكون قروضها بالفائدة المتغيرة ولكن هذا التأثير ربما يكون بداية من الربع الأخير والعام القادم، كما أن البنوك في العالم تواجه تحديات كبيرة وخصوصًا البنوك الأمريكية، ولذلك رأينا تراجع أسهم البنوك في البورصات العالمية، وارن بافيت وهو من أكبر المستثمرين في أسواق المال باع حصصًا إضافية في بنك أوف أميركا حيث بلغت مبيعاته منذ منتصف شهر يوليو الماضي أكثر من 150 مليون سهم في البنك بقيمة إجمالية 6.2 مليارات دولار، مما يشير إلى احتمالية تعرض البنوك للضغوط خلال الفترة المقبلة، البنوك السعودية ليست بمعزل عن ما يحدث في العالم، ولكن مؤشرات السلامة المالية للبنوك السعودية التي ينشرها البنك المركزي السعودي دوريا تؤكد قدرتها على تحمل الصدمات الاقتصادية، فهي من أفضل البنوك عالميا في رأس المال التنظيمي إلى الأصول المرجحة المخاطر (معدل كفاية رأس المال) حيث حققت نسبة 19.4 % وكذلك حققت نسبة 17.9 % في رأس المال التنظيمي من فئة 1 إلى الأصول المرجحة المخاطر وهي أعلى بكثير من معايير (بازل 3) كما أن صافي القروض المتعثرة لمخصصات القروض إلى رأس المال في حدود 1.9 % وبلغت القروض المتعثرة إلى الإجمالي الكلي للقروض 1.3 % فقط وهذه النسب من الأقل على مستوى البنوك العالمية، إجمالي الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول بلغت 21 % والأصول السائلة إلى المطلوبات قصيرة الأجل بلغت نسبتها 36.9 % وهذه المؤشرات كافية لإظهار قوة ومتانة القطاع المصرفي السعودي، وإذا اضفنا اليها قوة الاقتصاد الكلي والاحتياطيات الكبيرة في البنك المركزي السعودي وأصول صندوق الاستثمارات العامة التي تجاوزت 3.5 تريليونات ريال فإنها كافية لبعث الطمأنينة للمستثمرين في أسهم البنوك السعودية، كما أن هوامش الأرباح الصافية كبيرة حيث استطاعت تحقيق أرباح جيدة خلال الفترة الماضية وقد تستمر في النتائج الجيدة خلال الربع الثالث والمتوقع بدء إعلاناتها ابتداء من هذا الأسبوع وقد أظهرت نتائج شهري يوليو وأغسطس أرباحًا تاريخيةً حسب نشرة البنك المركزي السعودي الشهرية.