قدسية المرأة العربية التي تميّزها عن غيرها هي قدسية جسدها، والذي بات لحمًا تنهش فيه عيون الغرباء جرّاء ما نراه اليوم من تحلّل أخلاقي، يدّعون أنه تحرر وجرأة ومنافسة للمرأة الغربية في سلوكها وممارساتها، وهنا يكمن تذويب الشخصية العربية التي تسعى بلادنا للحفاظ عليها؛ فقد أصبحت بناتنا في خطر، وأصبح الحديث عن هذا سُبة وشتيمة وتخلفًا ورجعية.. ستائر النوافذ في مجتمعاتنا لها وظيفة اجتماعية كبيرة في علم الاجتماع، ولها مدلولات على تركيبة الشخصية العربية، التي تأبي كشف البيوت والحفاظ على خصوصيتها، هذه الخصوصية هي من سمات الشخصية ذاتها، وما يتبعها من حمّية الشرف وعلى قيمته وقدره. ولكن لدينا تساؤل مهم، وهو: هل تذوب سمات الشخصية التي تشكلت عبر القرون من الأعراف والعادات والتقاليد إضافة إلى تأثير المحيط البيئي والمجتمعي؟ سؤال مهم تم التخطيط له باستراتيجية عالمية، ليس من قبيل المؤامرة، وإنما لتحقيق عنصر من عناصر العولمة وهو أهمها، وهو تذويب الفرد في بوتقة العالم بلا هوية ولا انتماء في نفي مقصود لما يسمى بالحدود والهويات! إن نسف الحدود هذا قد أصبح لنا جلياً فيما يدعى بوسائل التواصل الاجتماعي، والذي عبَر بنا إلى فضاء عالمي غير متناهٍ، وهذا قد يصبح جيداً في مفهوم التلاقح المعرفي، ولكن التأثير على المفهوم الثقافي كان أقوى، بما يمس الشخصية في تكوينها الذي تنادي دولنا بالحفاظ على مخزونه بكل الوسائل. ويبدوا أن الصراع بين الكفتين أصبح ضارياً! لقد اخترقت الستائر وأحرقت، واشتعلت بها نيران الهزال القيمي، فأصبحت منازلنا في ساحات وميادين العالم مباحة بكل ما تحتويه من جيد وهزيل، والهزال وعورات المنازل باتت الأكثر وضوحاً، وتضاؤل القيم أصبح مشاعاً لكل عابر طريق. والأساس في ذلك هو عدم فهم القيمة التي غلبت عليها المادة في زمن سادت فيه فلسفة المادية، هذه الفلسفة التي جعلت المادة تعلو القيمة فأصبح الفرد يكتسب قيمته من المادة، فأصبح عبدا لها يباع ويشرى بها ويعلو وينخفض بها، وهو المفهوم الفلسفي لمعنى للتشيوء. إن بين أيدينا هذا الجهاز الصغير الذي يخترق جدران منازلنا عبر ما يسمى ( Tik Tok, You Tube, Snapchat ,Instagram ,Facebook) هو أداة بأن أكون أو لا أكون، فبالرغم من ما لهذه الوسائل من حسنات كالحفاظ والتواصل مع الأصدقاء، إلا أن إفراطنا بدون وعي في التعامل معها جعلها ندبة في جبين التاريخ العربي الذي سيطفو على السطح في الأزمان القادمة، وسيتدارسه الباحثون في جامعاتهم وأكاديمياتهم لتظهر لنا وصمة مقيتة في صميم التاريخ الثقافي العربي. سنبتعد في هذا المقال عن التأثيرات السلبية التي قُتِلت بحثا مثل (فقدان الدعم الاجتماعي في الواقع والشعور بالوحدة، التوتر، الانتماء إلى مجموعات تتعرض للتهميش مثل الأقليات ومجتمع الميم وغير ذلك؛ وإنما نتحدث عن أمر خفي شديد الخطورة وهو تفشي الانحلال وتدني مفهوم العيب الذي كان يخشاه العربي خشية الفريسة من الذئب)! من المسؤول عن غياب الوعي بين الأفراد الذين يظنون أنهم يتحدثون من وراء جُدر؟ فبناء الوعي من أهم دعائم البنى المجتمعية ومنه الوعي القائم وهو بما نحن فيه، والوعي المحتمل وهو ما سيصبح نتاجا لما يبذله الوعي القائم. هذه العناصر من بناء الوعي لدى المجتمعات هي الدرع الواقي لها والذي نهمله ولا نوليه أي اهتمام سواء على المستوى التعليمي أو حتى على المستوى التثقيفي وهذه كارثة كبيرة! سنذكر بعضاً مما يجتاح هذه الوسائل ونتأمل في تأثيراتها على بناء الأسرة ذاتها! فقد تفشى في الأسر موضوع الطلاق، النميمة، التنمر، الفضائح، التعري، الانتقام، الغث من السلوك والكلمات النابية، الفنون الهابطة، التلاسن والمشاتمة، حتى غرف النوم باتت مخترقة وأصبحت ستائرها حرير من نسمة شوق بتطير على غرار أغنية الفنانة شادية! إن ما تحويه هواتفنا من صور خاصة وبأزياء خاصة سرية وغير معلنة ستصبح في يوم ماء في أيدي العامة إن لم تكن قد وصلت للمركز الخاص بالنت نفسه، ثم إن هذه اللقطات التي تأخذها المرأة مع زوجها تصبح لها تهديدا في يده بلا أمان أو شيمة أو مروءة، إذا ما حدث حادث أو حدث خلاف، وهذا ما شهدناه في إحدى القضايا حينما هدد الزوج زوجته بهذه اللقطات بنشرها إذا لم تذعن له! أليس كل ذلك من اختلال الشخصية نفسها؟ أليس كل ذلك من انحلال واختلال القيم؟ أليس ذلك من تدني مفهوم العيب المجتمعي ومن خوارم المروءة نفسها؟ كل ذلك هو من غياب الوعي، لأنه كان يجب بناء الوعي قبل استخدام الآلة، فليست وسائل التواصل كلها بهذا السوء لما لها من فوائد جمة، ولكننا استخدمنا أسوأ ما فيها بلا وعي من ماهي تبعات كل ذلك على الشخصية العربية، وعلى المرأة العربية وعلى الطفل العربي أمام مجتمعات اعالم المترصد بنا وكأننا قد استجبنا بأن الفرد هو ابن العالم وليس ابن بيئته وهو المطلوب في فلسفة العولمة! إن قدسية المرأة العربية التي تميزها عن غيرها هي قدسية جسدها، والذي بات لحما تنهش فيه عيون الغرباء جراء ما نراه اليوم من تحلل أخلاقي، يدّعون أنه تحرر وجرأة ومنافسة للمرأة الغربية في سلوكها وممارساتها، وهنا يكمن تذويب الشخصية العربية التي تسعى بلادنا للحفاظ عليها كما أسلفنا؛ فقد أصبحت بناتنا في خطر، وأصبح الحديث عن هذا سُبة وشتيمة وتخلفًا ورجعية. أي رجعية هذه! حينما يصور الرجل زوجته في الغرف المغلقة، وأي أخلاق تجعله يحتفظ بها لمساومتها إذا ما حدث حادث، وأي تقدم لفتاة ترقص وتتعرى وتهذي أمام عدسة هاتفها، وهي لا تعلم أنها أمام العالم كله وهي تكسب جرأتها من غفوتها بأنها خلف الجدران، غير عابئة بما ستؤول إليه صورتها إذا ما كانت أمام العامة، فهل هذا هو الوعي القائم بالفعل. إنها الغفوة الاجتماعية التي سندرك نتائجها على مدار الزمن، ولذا نقول كفّوا عن هذا الهراء المقيت، واستفيدوا من هذه الوسائل كما استفاد منها العالم، واستمتعوا بنعمة المعرفة التي لم نكن نجدها في زمن مضى ولكن بالوعي القائم والوعي المحتمل، وكفى هذيانا مقيتاً.