في المقال السابق تحدثنا عن العرض الأول لعروض مهرجان المسرح الخليجي بدورته الرابعة عشرة، والذي احتضنته عاصمة الثقافة والفنون الرياض مؤخراً، ونظمته هيئة المسرح والفنون الادائية بوزارة الثقافة، خلال الفترة "10 حتى 17" سبتمبر الماضي، وكان المقال رؤية تحليلية للعرض الأول مسرحية بحر لفرقة جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، واليوم نتوجه بالرؤية التحليلية للعرض الثاني في الليلة الثانية من ليالي المهرجان، مسرحية "أشوفك" من الامارات العربية الشقيقة، تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج حسن رجب، حيث لم تنل من جوائز لجنة التحكيم سوى جائزة يتيمه تمثلت في جائزة افضل نص، وهي جائزة مناصفة مع نص "غصة عبور" للكاتبة تغريد الداود من الكويت، تناولت المسرحية الأجواء الغرائبية المحيطة بمجموعة من المجانين في معزل بعيد يقع على اطراف المدينة كنوع من الاقصاء والتهميش والعقاب الجماعي، ومع تصاعد الاحداث درامياً في ثنايا العرض اتجهت المسرحية بالمشاهد الى منطقة مغايرة، عندما انكشف ان هؤلاء المتهمين بالجنون ليسوا سوى مجموعة متمردة عاشت قصص مقاومة باسلة ضد المحتل، شخصية حارس البرج بالمسرحية قادت المجموعة للتمرد من اجل الحفاظ على الإرث والعادات والتقاليد والهوية، قبل أن يبدأ المحتل في طمس هذه الهوية وتشويهها بمساعدة من الأفراد المحليين، المستفيدين من نفوذهم ومراكزهم التي وفرها لهم المحتل، وقد نجح العرض في إيصال هذا الألم المكثف والمكتنز بكل فداحته ومرارته، عنوان المسرحية "أشوفك" كان تحذيرياً وكلمة مكشوفة للمتفرج على الرغم أن بدايتها كانت جميلة في ظهور الممثلين مما ساعد على اظهار فكرة النص من خلال اصابتهم أو تظاهرهم بالجنون، اندرج العمل المسرحي اشوفك في اطار العيالة وهو نوع من الفن الذي يحاكي قصص النصر والبطولات أو المواقف الشجاعة، فن دائماً ما يحتاج الى حنجرة قوية تروي أمجاد البلاد السابقة والمشرفة، وتعد العيالة في الامارات سرد للتاريخ ولميراث عريق، وهذا الفن يقوم على الأغنية التراثية به كلمات شعرية تجمع بين الفصحى والعامية، تقدم في شكل جوقة تغوص في تاريخ الأجداد وبطولاتهم، لذا ظهرت مسرحية اشوفك مزيج من الغناء والتمثيل والرقص مع تقنيات الإضاءة وأداء الممثل تدعو للمصالحة مع الهوية الموسيقية التقليدية، وتشريع أبواب الذاكرة على تراث الأجداد وحكاياتهم والتمتع بجمالية الصورة وجرأة المعنى والدعوة للمصالحة بين الجيل الجديد وموسيقاه ومنه التصالح مع الهوية والاعتزاز بها، في المقال الآتي بالأسبوع القادم بمشيئة الله، نتحدث بالرؤية التحليلية عن العرض الثالث من مملكة البحرين الشقيقة "عند الضفة الأخرى"، الحاصل على جائزة افضل ديكور وهي الجائز الوحيدة التي نالتها المسرحية، برغم أنها لم تكن مجرد عرض مسرحي، بل كانت تجربة فنية متكاملة، حملت بين طياتها العديد من الرسائل الفلسفية والإنسانية بفضل الأداء المتميز والرؤية الاخراجية العميقة.