كانت الحوالات الخارجية أحد الأنشطة الرئيسة التي تقدمها فروع البنوك ولكن طوابير الانتظار الطويلة أثرت على جودة الخدمات المقدمة للعملاء، وفضلت بعض البنوك التوقف عن تقديم خدمة الحوالات الخارجية لغير عملائها ولكنها في ذات الوقت فقدت عوائد مالية جيدة من نشاط التحويل منها الرسوم الإدارية وفرق العملة والسيولة التي تبقى في البنك لعدة أيام، بنك سامبا كان أحد هذه البنوك التي قدمت جودة الخدمة على العائد المادي من هذا النشاط، ولكنه أدرك أن هنالك فرصة للمحافظة على تميزه في تقديم الخدمات المصرفية من خلال فروعه المصرفية وكذلك الاستفادة من نشاط الحوالات، عندها قرر تأسيس أول مركز للحوالات منفصل عن الفروع في عام 1990 واستمر في فتح المزيد من المراكز حتى وصلت إلى 35 مركزاً في عام 2007 وبعد نجاح التجربة دخل لاعبون جدد مثل مصرف الراجحي وبنك البلاد مما أضطر سامبا إلى تقليص عدد المراكز إلى 6 مراكز في عام 2020 قبل الاندماج مع البنك الأهلي، بنك الرياض بدأ متأخراً في عام 2013 ووصل إلى 24 مركزا في عام 2016 ولكنه أغلق جميع المراكز لاحقاً، في عام 2018 صرح البنك المركزي السعودي لأول شركة تقنية مالية مرخصة وهي محفظة STC pay والتي أصبحت أكبر محفظة رقمية في المنطقة، حيث وفرت الوصول إلى الخدمات المالية لأكثر من 12 مليون عميل عبر الهواتف الذكية بشكل رئيس، وبعد النجاح الكبير الذي حققته خلال السنوات الماضية أصبحت هي الخيار الأول للعمالة الأجنبية لسهولة استخدامها وسرعتها في تحويل الأموال ومرونة التعديل على الحوالات أو إلغائها بسرعة فائقة، إضافة إلى شراكتها الناجحة مع أكبر شركة لتحويل الأموال في العالم وهي شركة ويسترن يونيون التي لديها ما يزيد على 500 ألف فرع حول العالم في أكثر من 200 دولة ومنطقة، وعندما شعرت البنوك بقوة المنافسة بدأت في إنشاء محافظ رقمية للحفاظ على حصتها السوقية وقامت بتخفيض عدد مراكز الحوالات بعد عزوف الكثير من العملاء عن زيارة المراكز بسبب الاستغناء عنها بالتقنيات المالية الحديثة التي وفرت عليهم الوقت وسهلت الوصول إلى الخدمة خلال 24 ساعة وخفضت التكاليف، ولذلك لا أستبعد أن تتخلص البنوك من مراكز الحوالات خلال السنوات القادمة لأن تكاليف التشغيل باهظة جداً من مصاريف الرواتب والإيجارات والخدمات الأمنية وغيرها من المصاريف ولذلك قام مصرف الراجحي بخفض عدد المراكز بنسبة 41% خلال 5 سنوات وخفض مصرف الإنماء عدد المراكز بنسبة 38% والبنك العربي بنسبة 36%، ونعتقد أن المنافسة يجب أن تكون في تطوير تقنية المحافظ الرقمية وزيادة الخدمات وتخفيض الرسوم، حيث تتزايد أهمية وسائل الدفع السريعة والسهلة والآمنة في المملكة وفي جميع أنحاء العالم، حيث نما دور التطبيقات الرقمية في المملكة باعتبارها الطريقة المفضلة لتحويل الأموال إلى الخارج، حيث يتوقع أكثر من نصف مستخدمي التحويلات المالية في المملكة زيادة استخدامهم للوسائل الرقمية، وفي خطوة جيدة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بدأ في شهر يوليو الماضي تطبيق خدمة "حماية الأجور" لرواتب العمالة المنزلية لضمان حق صاحب العمل والعامل المنزلي، ويتم تحويل رواتب العمالة عبر المحافظ الرقمية وتوثيق عمليات الدفع عبر حساب المستفيد في مساند، ومن المتوقع أن يتم ضخ رواتب حوالي 4 ملايين عامل وعاملة منزلية الى المحافظ الرقمية مما يعزز قدرة المحافظ الرقمية على منافسة مراكز التحويل التقليدية، حتى العمالة الأخرى يمكنهم فتح محافظ رقمية وتغذيتها من حساباتهم البنكية، والاستفادة من خدمات التحويل الدولي، ولا أعتقد أن التقنيات البنكية سوف تتوقف عن تطوير طرق التحويل، حيث ذكر المدير العام الإقليمي لشركة Visa بأن المملكة إحدى أضخم أسواق إرسال التحويلات المالية على مستوى العالم، وأن Visa تتعاون مع شركائها المحليين في المملكة لتيسير عملية إرسال الأموال دوليا وجعلها أكثر أمانا وانسيابية من أي وقت مضى، ولتحسين تجربة نقل الأموال عبر الحدود، يتوجب على قطاع المدفوعات والقطاع المالي في المملكة مواصلة الابتكار، فضلا عن تسخير التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي لتوفير تجربة دفع أفضل وأكثر أمانا وسهولة للمستهلكين في المملكة.