تحديد الأعمار ب25 عامًا لم يأتِ من فراغ، فقد أثبتت الدراسات التشريحية على الدماغ أن المنطقة التي يوجد فيها مركز اتخاذ القرارات، وحسابات الربح والخسارة، والتفكير بعيد المدى، لا تكتمل إلا في هذه السن، ما يفسر القرارات الطائشة وغير المدروسة لمن هم أقل سناً.. واللافت أن غالبية القرارات التي تؤثر على مسار حياة الإنسان، يتم اتخاذها ما بين سن 18 و24 عامًا، وفي فترة يكون فيها الشخص، من وجهة النظر الطبية، غير جاهز للاستقلال بحياته أو تحمل المسؤولية.. لا يمكن الاعتماد على أرقام استطلاعات الرأي في السوشال ميديا، والتعامل معها باعتبارها حقائق، خصوصا فيما يتعلق بالمجتمع السعودي، لأنها في واقعها تعبر عن وجهات نظر أشخاص متشابهين في أفكارهم، والدليل أنهم يتشاركون في زيارة موقع الاستطلاع نفسه، وقد لا يكونون سعوديين من الأساس، فلا يوجد شيء يلزمهم بإبراز الهوية الشخصية، وبافتراض أنهم مواطنون، فقد أكدت بعض الدراسات المحلية أن استطلاعلات الرأي، الرقمية والواقعية، على السعوديين ممن هم فوق 25 عاماً، لا تعبر عنهم بشكل صادق وموثوق، لأنهم يحاولون من خلالها، تحسين صورتهم الاجتماعية، ومطابقة ما يعتقده أو يتوقعه المجتمع منهم، وبالتالي فرأيهم تمثيلي أو مصطنع، في أحسن الأحوال، وهذه إشكالية كبيرة. تحديد الأعمار ب25 عامًا لم يأتِ من فراغ، فقد أثبتت الدراسات التشريحية على الدماغ أن المنطقة التي يوجد فيها مركز اتخاذ القرارات، وحسابات الربح والخسارة، والتفكير بعيد المدى، لا تكتمل إلا في هذه السن، ما يفسر القرارات الطائشة وغير المدروسة لمن هم أقل سناً، وحتى شركات تأجير السيارت السعودية تفرض أسعارا أعلى عليهم، لأنهم أكثر تهوراً في القيادة، ولعل هذا يستدعي مراجعة قوانين المرور والسفر، وعدم رفع الولاية أو إصدار الرخصة إلا باكتمال العقل، واللافت أن غالبية القرارات التي تؤثر على مسار حياة الإنسان، كاختيار التخصص الجامعي، أو المسار الدراسي، أو الزواج، يتم اتخاذها ما بين سن 18 عاماً و24 عاماً، وفي فترة يكون فيها الشخص، من وجهة النظر الطبية، غير جاهز للاستقلال بحياته أو تحمل المسؤولية، وكلاهما يتأثر بمفاهيم تربوية من نوع الوالدية الاستبدادية، التي يكون فيها التواصل أحاديا، وفي اتجاه واحد من الوالدين لأطفالهم، وبالوالدية الحازمة ذات الطبيعة الديموقراطية في الحوار، ويكون التواصل فيها ثنائيا ومنضبطا في الاتجاهين. ما يحدث في الطفولة يؤثر في فرص الناس الحياتية والتعليمية، ويرفع من جودة قراراتهم وتصرفاتهم، ويوجد مصطلح يسمونه (فجوة الثلاثين مليون كلمة)، والمقصود أن أبناء الطبقات فوق المتوسطة والميسورة والمتعلمة يسمعون عند بلوغهم سن الخمسة أعوام 75 مليون كلمة، بينما الطبقات الأقل في مستواها الاجتماعي والاقتصادي لا يستمع أبناؤها إلا لنحو 45 مليون كلمة، والارتباط وثيق بين المحصول اللغوي والفكري، وبين أداء الطفل في المدرسة وتحصيله الأكاديمي لاحقاً، فكلما زادت حصيلته اللغوية ارتفعت قدراته الذهنية، ومعها مهاراته الاجتماعية والتفاوضية والحسابية، وخبراء السلوك في أميركا ينصحون بذلك، ولديهم برنامج وطني اسمه (الانطلاقة المبكرة)، وهو يستثمر في الكلام مع الأطفال من سن العامين حتى وإن لم يتجاوبوا أو يعطوا ردة فعل، وأغلب الولايات الأميركية تأخذ به. المجتمع السعودي تغير بشكل كبير وإيجابي منذ 2016، ولكن يبقى أن المظهرية والأمور التفاخرية والشكلية، التي تقوم على قيم الفردانية والاستهلاك والتسليع، مازالت تسيطر عليه بفعل العولمة والسوشال ميديا، والمرحلة الحالية تحتاج إلى إرجاعه لعادات قديمة تناسبه، وتنسجم وتوجهات رؤية المملكة العملية، ومن أمثلتها: إعلانات التلفزيون الموجهة للسعوديين في السابق، واهتمامها بالجوانب الوظيفية للمنتجات وبمنافعها العملية، مقارنة بالتركيز على الأمور العاطفية، كالإحساس بالسعادة والتميز والتفوق على الغير، وتحديداً في التقديم الإعلاني لمنتجات هذه الأيام، بمعنى أن الإعلان حوّل بوصلته من حاجة الشخص لما يعلن عنه إلى الرسالة الاجتماعية الرمزية الممكن إرسالها للآخرين بما يفيد تميزه عليهم، ما جعل مدة الاستماع بالأشياء قصيرة جداً، ومكلفة مادياً في ذات الوقت، ولعب المؤثرون دورا أساسيا في هذه المسألة، وهم يتحملون مسؤولية ما يعرف ب(اكتئاب السوشال ميديا)، والذي يحدث نتيجة للمقارنات معهم، ومحاولة الوصول لما يسوقونه من سعادة مصنوعة. في أميركا شخصية الإنسان ونجاحاته في الحياة يحددها رمزه البريدي، والمعنى أن الحي الذي يأتي منه يمكن الآخرين من التنبؤ بمسار حياته كاملا، والسبب وجود طبقية عالية لديهم، وربما لعب العنوان البريدي الموحد في المملكة دورا مماثلا في المستقبل، فالمجتمعات تعيد إنتاج نفسها وطبقاتها، مثلما يعتقد (بيير بورديو)، وبعض الأقليات العرقية في المجتمع الأميركي لديها معاناة مع يسمونه ب(الاحتقار الذاتي)، والاستثناءات واردة، وتتصور أن فرصها في الوظيفة والحياة أقل من غيرها، ولهذا نجد مجموعات واسعة من هؤلاء يمتهنون الجريمة والمخدرات والأعمال المنحرفة. الأعجب من ذلك هو الاستعراض الأخلاقي في السوشال ميديا، ومجاراة قناعات الناس والرأي السائد في التعريض بالآخر المختلف، لأن تكلفة الغضب منخفضة فيها، ولا توجد ردات فعل فيزيائية، كما في العالم الواقعي، إلى جانب سيادة مفهوم العقاب التطوعي من كل أحد، باستخدام سياسة الهاشتاغ، لممارسة القتل الإلكتروني بحق الخصوم، وللإشارة إلى أن من قام بهذا يحوز فضائل معينة قد لا تكون موجودة فيه أصلاً، كمن يثور ضد العنصرية القبلية، أو الأجانب باسم التوطين، أو يمارس مجانية تخوين الآخرين ليبرئ نفسه بطريقة غير مباشرة، ثم يتصور أنه قام بعمل بطولي لمجرد أنه كتب كلمتين، وهو جالس على كرسيه أو سريره أو يلاعب أنفه.