ما زالت الأسواق الشعبية الأسبوعية تعيش في حالة تداخل بين إشراف البلدية، الجهة الأقرب لهذه الأسواق بحكم وجودها في كل مركز، وبين وزارة البيئة والمياه والزراعة التي تتولى المهام البيئية في المحافظة. مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة القنفذة يبذل جهوده في العديد من المجالات، إلا أننا نفتقر إلى الفروع والمقرات المخصصة لمتابعة هذه الأسواق، والتي تعاني من تغير مواعيد تنظيمها. في الآونة الأخيرة، تم الإعلان عن انضمام هذه الأسواق لإشراف وزارة البيئة، إلا أن البلديات ما زالت تتولى مهام الإشراف بشكل محدود وغير حاسم. رغم ذلك، تظل الأسواق الشعبية جزءاً من التراث الذي حافظ عليه الأجداد منذ قرون، في ظل غياب أي جهات حكومية تنظيمية آنذاك. ويعد سوق ثلاثاء يبة الأسبوعي في مركز القوز بمحافظة القنفذة نموذجاً حياً لهذه الأسواق التراثية، حيث يعود تاريخه إلى أكثر من قرنين من الزمان. كان السوق مركزاً للتجارة منذ العصور القديمة، حين كان الباعة والمشترون والزائرون يعتمدون على وسائل التنقل التقليدية. كان التحضير للسوق يبدأ من ليلة الاثنين، ويستمر التسوق بعد صلاة الظهر يوم الثلاثاء. توقفت معظم الأسواق، إلا أن سوق ثلاثاء يبة استمر، بفضل تنظيم السوق وأقسامه. وقد تميز السوق بتنظيمه الشعبي البسيط، حيث تضم مواقع مخصصة لبيع حب الذرة والدخن والسمسم، وبيع الماشية، والزيوت النباتية، والسمن والزبدة. كما يوجد بها مواقع لبيع الحلويات والتمور، والأقمشة، والمصوغات الفضية، وأدوات الزراعة، والأسماك، واللحوم، إلى جانب المقاهي التي تقدم وجبات محلية مثل السمك والخبز الخمير والباذنجان وزيت السمسم، وجميعها تُعد بأيدٍ مواطنات. شهادات من الماضي كان السوق يشهد إقبالاً كبيراً من المتسوقين، حيث يبدأ التسوق بعد صلاة الظهر ويستمر حتى ما بعد المغرب. في فترة الثمانينات الهجرية، كنت شاهدًا على جزء من هذا التراث وأنا صغير بصحبة والدي، الشيخ أحمد بن عبدالكريم، شيخ قبيلة النواشرة آنذاك - رحمه الله -. في إحدى زوايا السوق، كانت عشة من القش كانت تُحلّ فيها مشاكل القبيلة وتُناقش القضايا المهمة إضافة إلى ذلك، كانت الأسواق الأسبوعية تُعد ملتقى للقبائل وتُطرح فيها قضايا الاستحكام والممتلكات الضائعة والمناسبات الاجتماعية. محمد بن أحمد الناشري