ملفات البطالة والتضخم من أصعب وأعقد الملفات التي تواجه صناع القرار؛ لأن العلاقة بينها علاقة عكسية، فالارتفاع في مستوى التوظيف يصاحبه دخل إضافي يتحول إلى قوة شرائية تزيد من الطلب على السلع، وهذا ما قد يرفع من معدلات التضخم، ولكن المملكة بفضل الله نجحت في التغلب على هذه الإشكالية فحققت معدلات بطالة هي الأقل بين دول مجموعة العشرين بنسبة 3.3 % للسكان، وكذلك تمكنت من السيطرة على التضخم ليسجل 1.6 % وهو من الأقل أيضا بين دول مجموعة العشرين، وهذه العلاقة الإيجابية بين التضخم والبطالة نادرة الحدوث، ولكن عندما تمتلك أي دولة خططا اقتصادية مدروسة جيدا مع إرادة قوية لتنفيذ تلك الخطط، وهنالك ديناميكية لدى الحكومة للتعامل السريع مع المتغيرات واتخاذ القرارات التي تحافظ على المكتسبات، نجد مثل هذه المنجزات تتحقق على أرض الواقع، منذ تسلم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الملف الاقتصادي استطاعت المملكة كسر الجمود والرتابة في العديد من الملفات على الصعيد الداخلي، إذ باتت عملية "مكافحة الفساد" محط أنظار العالم، وهي العملية التي أعادت لخزينة الدولة مليارات الريالات، وانعكست بنهاية الأمر على الصورة العامة لهيبة الدولة وقوانينها، كذلك تمكنت الدولة من إدارة نفقاتها بكفاءة عالية جدا وتقليل الهدر المالي، فعند قياس الإنفاق الحكومي في السنوات الماضية نجد أن أثره على الاقتصاد كبير مقارنة مع الإنفاق قبل الرؤية، ملف البطالة من أكثر الملفات التي اهتمت بها الرؤية، كانت البداية متعثرة، حيث فرضت السعودة على بعض القطاعات بنسبة 100 % وبعض هذه القطاعات لم تكن مهيأة للسعودة نظرا للتكاليف المادية التي تسببت في إغلاق المنشآت إضافة الى أن السعوديين لم يكن لديهم الخبرة والكفاءة التي تمكنهم من القيام بأعمال كانت لسنوات طويلة تدار بواسطة العمالة الأجنبية، ولذلك أدرك صناع القرار حينها أن التدرج في السعودة وإن استغرق وقتا أطول لإحلال العمالة السعودية مكان الأجنبية هو الخيار الأفضل لحماية المنشآت وأيضا تحملت الدولة جزءا من رواتب السعوديين للتخفيف من الأعباء المالية على المنشآت، كما أن النمو الاقتصادي وخصوصا في الأنشطة غير النفطية ساهم في توليد العديد من الوظائف التي تم ضخها في سوق العمل وساهمت في استيعاب الأعداد الكبيرة من طالبي العمل حتى وصلت في السنوات الأخيرة إلى أن أعداد الوظائف التي تطرح في سوق العمل أكثر من عدد الخريجين ولهذا رأينا أرقام البطالة بين السعوديين تحقق مستهدف رؤية 2030 قبل الموعد بأكثر من 6 سنوات وأتوقع أن يتم تعديل المستهدف لدفع الجهات المسؤولة لمواصلة الأداء الجيد حتى يجد كل سعودي باحث عن العمل وظيفته في أسرع وقت ممكن، التضخم وهو الملف الاقتصادي الذي أشغل العالم خلال السنوات الماضية، سجل في يوليو من العام 2021 أعلى نسبة إذ وصل الى 6.2 % عندها صدر توجيه ملكي بتثبيت سقف أسعار البنزين على أن تتحمل الدولة ما قد يزيد على أسعار شهر يونيو 2021 عند المراجعة الدورية الشهرية، وهذا القرار شمل السعوديين وغير السعوديين، وكان لهذا القرار الأثر الكبير من كبح ارتفاع التضخم الذي ضرب العالم وعلى إثر ذلك نجد اليوم أن التضخم في المملكة عند مستويات متدنية وأقل من الهدف الذي وضعته الحكومة ولولا تضخم الإيجارات السكنية لكانت الأرقام أقل بكثير، ولذلك لا بد من تحرك سريع لمعالجة الفجوة بين العرض والطلب لأن تضخم أسعار العقارات عند المستويات الحالية قد يؤثر على تكلفة المعيشة، وأيضا سوف يؤثر على القطاعات الاقتصادية الأخرى، وقد يتسبب في كبح نمو الأنشطة الاقتصادية، خفض أسعار الفائدة من المتوقع أن يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تشجيع الاستثمارات وزيادة الإنفاق على المشاريع الجديدة، وزيادة جاذبية الاستثمارات العقارية، وكذلك نمو الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالقطاع العقاري، السياحة وهي من القطاعات التي لها دور في كبير في تحريك النمو الاقتصادي وتوليد الوظائف بدأت أرقامها تتصاعد مع تسهيل إجراءات التأشيرة وفتح العمرة، وقد أظهرت الأرقام أن زوار المملكة من الخارج أنفقوا خلال النصف الأول من هذا العام نحو 92 مليار ريال.