نظرا لأن التضخم والبطالة من أكثر المؤشرات الاقتصادية التي تتم مراقبتها، ولأن العلاقة بين التضخم والبطالة علاقة عكسية، أي عندما تنخفض معدلات البطالة ترتفع القوة الشرائية مما يرفع الطلب على السلع وترتفع معها معدلات التضخم، وحيث إن الاقتصاد السعودي مؤخرا خالف (منحنى فيليبس) للاقتصادي النيوزلندي ويليام فيليبس الذي جاء بنظرية أن العلاقة بين التضخم والبطالة علاقة عكسية، إذا كيف تحولت العلاقة بينهما في المملكة من علاقة عكسية الى علاقة طردية، في هذا التقرير نحاول رصد بعض من القرارات الحكومية التي ساهمت في نجاح المملكة في إدارة هذين الملفين الأكثر سخونة، نبدأ بملف التضخم، في ديسمبر 2017 تم صرف الدفعة الأولى من حساب المواطن لتخفيف أثر الإصلاحات الاقتصادية الناتجة عن المبادرات المختلفة على ذوي الدخل المنخفض والمحدود من بعض الإصلاحات الاقتصادية كتصحيح أسعار منتجات الطاقة وضريبة القيمة المضافة، في يناير 2018 تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة 5 % مع تعديل أسعار الوقود وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء أن التضخم في يناير ارتفع بنسبة 3.9 % مقارنة مع ديسمبر، وفي يناير 2019 انخفض مؤشر التضخم إلى 1.9 % مقارنة مع يناير 2018، وفي يوليو 2020 ارتفع التضخم بنسبة 6.1 % على أساس سنوي ويعزى هذا التطور في الأسعار إلى حد كبير إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5 % إلى 15 % والتي بدأ تطبيقها في ذات الشهر وسجل شهر أغسطس أعلى ارتفاع عند 6.2 % ثم بدأ في التراجع إلى 5.3 % في شهر ديسمبر 2020، في يوليو 2021 تم تثبيت أسعار الوقود بتوجيه ملكي وتحمل الدولة تكلفة المراجعة الشهرية تخفيفا للأعباء المعيشية ودعما للاقتصاد، ثم قدمت الدولة دعم إضافي لمستفيدي برنامج حساب المواطن بدءا من يوليو 2022 ومستمر حتى نهاية العام الحالي 2024، مؤشر التضخم بدأ في التراجع من 3.4 % المسجلة في يناير 2023 إلى 1.5 % في يونيو الماضي وهو أقل من معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي والمتوقع أن يصل إلى 3.4 % هذا العام حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وبناء على الأرقام يتأكد لنا أن المملكة فعليا نجحت في كبح التضخم من خلال قراءة حصيفة للمستقبل واتخاذ إجراءات استباقية سيطرت من خلالها على التضخم واتوقع استمرار معدل التضخم السنوي ما بين 1.5 % إلى 2 %. وزير المالية السعودي أشار إلى أن بعض المشاريع تم تمديد مدة تنفيذها من أجل المحافظة على مؤشر التضخم، البطالة وهي الملف الأسخن، فقد أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء تراجع البطالة بين السعوديين إلى 7.6 % خلال الربع الأول من هذا العام وهو قريب من مستهدف الرؤية عند 7 % أما البطالة بين السكان وهو المؤشر الذي يستخدم عالميا فقد انخفض إلى 3.5 % مقارنة مع 4.1 % في الولاياتالمتحدة الأميركية و4.4 % في بريطانيا، وهذه الأرقام تثبت أن الحكومة نجحت في معالجة ملف البطالة وتحقيق أرقام غير متوقعة ويعود ذلك إلى الخطط الحصيفة والدراسات الجيدة التي جعلت التوطين يسير بشكل جيد دون التأثير على القطاع الخاص. كما أن برامج الرؤية استطاعت توليد العديد من الوظائف للسعوديين وقدمت السياحة آلاف الفرص الوظيفية للسعوديين بعد زيادة أعداد الزائرين للمملكة، حيث بلغ إنفاق الزائرين من الخارج نحو 135 مليار ريال العام الماضي، أما الربع الأول من هذا العام 2024 فقد تجاوز إنفاق الزائرين من خارج السعودية 45 مليار ريال بنسبة نمو تجاوزت 23 % عن الربع المماثل ومتوقع أن يستمر توليد الوظائف في هذا القطاع خلال السنوات المقبلة. ورغم رأي البعض أن البطالة بين السعوديين هي بطالة هيكلية وما حدث ما هو الا إحلال عمالة سعودية مكان الأجنبية، ولكن بقراءة أرقام الوظائف في القطاع الخاص يتضح أن عدد الوظائف التي توليدها في الخمس سنوات الماضية بلغ 2.7 مليون وظيفة منها 838 ألف وظيفة للسعوديين وعدد 1.9 مليون لغير السعوديين، وهذا ينفي أن البطالة بين السعوديين كانت هيكلية، صحيح كان هنالك إحلال للسعوديين في الوظائف التي كان يشغلها غير السعوديين، إلا أن ذلك يمثل جزءا بسيطا ويؤكد ذلك أن نسبة السعوديين في سوق العمل كانت 28 % في عام 2019 وارتفعت إلى 32 % في الربع الأول 2024 أي بزيادة 4 % بينما نمت الوظائف خلال نفس الفترة بنسبة 31 % ولهذا السبب نقول إن المملكة نجحت في توليد عدد كبير من الوظائف ولكن هذا الكم الكبير من الوظائف لم يقابله تضخم كبير في الأسعار وإذا ما رجعنا للمؤشر العام للتضخم نجد أن نسبة الارتفاع بلغت 11.22 % خلال خمس سنوات، أي بمعدل 2.24 للسنة الواحدة وهو قريب إلى حد ما من النسبة المقبول بها في الاقتصادات الكبرى ولولا التضخم الكبير في أسعار الإيجارات لكانت النسبة أقل بكثير. ولذك نعتقد أن ارتفاع قيمة الإيجارات العقارية -قد- يساهم في كبح النمو الاقتصادي إن لم تتم معالجتها ووضع حلول سريعة للحد من الارتفاعات الكبيرة، لأن أي زيادة في قيمة الإيجار السكني يقابلها تراجع في القوة الشرائية وبالتالي ضعف في الإنفاق الاستهلاكي الذي ينعكس على نمو الأنشطة الاقتصادية، كما الإيجارات التجارية والمكتبية لها نفس الأثر في ارتفاع التكلفة على قطاع الأعمال وانعكاسها السلبي على مؤشر التضخم.