تروق لي فكرة نشر الأشياء الجميلة، فكرة الإشارة إلى مواضع القوة في الحياة، فكرة الحديث عن المبدعين وتصدير بطولاتهم على السطح، تبهجني فكرة الإشارة إلى مجلس ثقافي أو كتاب، أو شاعر، أو لوحة، أو حوار، أو مقالة، أو حرفة، تسعدني فكرة الاحتفاء بوصول أحدهم لهدفه، والتفاعل مع نجاحات الآخرين سواء في الوسط الثقافي أو التعليمي أو الاجتماعي أو العملي، فغالبًا ما يبهرنا موقف جميل، أو حكاية لطيفة، أو حدثٌ ما، وكثيرًا ما نصادف ما يواكب ذائقتنا من وقائع وتفاصيل وإنجازات، ولكن المشكلة أننا لا نفصح عن ذلك، لا نتحدث، ولا نساهم في نشر مكامن الجمال، ربما يكون ذلك عن جهل، وربما عن سوء، وربما لا مبالاة، أيًا كانت الأسباب أنا في اعتقادي أن (البهاء الإنساني) يكمن في الإشارة إلى جماليات الحياة، وفي استدعاء مواضع الإبداع، وفي التصفيق لأولئك البارعين، لأن الطبيعة البشرية الفطرية مجبولة على التواصل، والشخص المتزن لا بد أن يجيد هذا التواصل، لذا أنا اتعجب من هذا الشح العاطفي والذي يمنع الإنسان من توجيه الكلام الطيب للآخرين، ويمنعه من التفاعل مع الإنجازات، ويمنعه من الإشادة بما يروق له، قد يكون للوعي الجمعي وللتربية وطريقة التنشئة دور فعلي في ذلك ولكن كل تلك الممارسات قابلة للتغيير لأنها ليست وظائف فسيولوجية لا إرادية، بل هي سلوك إنساني وعادات إجتماعية مكتسبة يمكن استبدالها وإبادتها أيضًا، خاصة أننا كبشر نملك كمًا كبيرًا من العاطفة، ونملك القدرة على إعادة تشكيل أنفسنا بتعديل أفكارنا وبالتالي سلوكياتنا، حين يتسع الوعي لدينا سنساهم في الإشارة إلى إيجابيات الأشياء من حولنا، وذلك سيتيح القدرة على استثمار إمكانيات البشر وطاقتهم بطريقة فعَّالة وتنموية ربما لا نعي فعليًا أثر الإشادة ببراعة الآخرين، أثر الكلمات الطيبة والعبارات المحفزة ولكن هو في الواقع أثر إيجابي وعميق، وتسليط الضوء على جمال الأشياء من حولنا لا يعني التقليل من شأن الآخر ولا يعني إزاحته ولا يعني فشله، فنحن كبشر نتفاوت في الأدوات والإمكانيات والقدرات، وما يملكه أحدنا قد لا نملكه جميعنا،افتقارنا لبعض الأشياء لا يعطينا مبرر لإقصاء الآخر، بل إن انتشار هذا الجفاف السلوكي سبب حقيقي للتصدع المجتمعي، وسبب للصراع الداخلي بين الأنا والإبداع الخارجي، وسبب كاف لنمو شروخ نفسية بين الأشخاص، بينما الإشارات الفعَّالة إلى بهاء الآخرين دلالة على الغِنى الروحي، نحن مع هذا الزخم نحتاج إلى رؤية كل ماحولنا من إبداعات، لأن استشعار الجمال والحديث عنه يحفز الروح الإنسانية على التأمل والإنتاج والتشافي، والوصول إلى مرحلة السلام الداخلي والخارجي.