قبل أيام قلائل اقترحت على أحد أقاربي اقتناء لعبة تحمل اسم «آسترو بوت»، مع التوصية بعدم تفويت الفرصة لذلك، ولعلي لم أكتفِ بالإشارة إلى اسم اللعبة، بل تضمّن المقترح مقطعًا يستعرض تفاصيلها، حتى تتضح له أكثر وقلت له مطمئنًا: «لا تقلق من مظهرها الطفولي، امنحها فرصة، وستكون في قائمة المفضلة بلا شك، إنها لعبة قادرة على أن تعود بك إلى أيام التسعينات الجميلة، حيث كنّا نعيش مع ألعاب مثل كراش وماريو، تلك الجواهر التي لا تنسى من الزمن الجميل»، هذه اللعبة التي أطلقتها شركة سوني منذ فترة ليست بالطويلة فاجأت الجميع بنجاح لم يكن في الحسبان، إذ أصبحت واحدة من أعلى الألعاب تقييمًا، وربما الأعلى على الإطلاق في هذه السنة، ولعل ما يميزها ليس فقط أن هناك إبداعا في تصميم مراحلها، بل إنها حازت على إعجاب النقاد والمقيمين واللاعبين بفضل رسومها الفنية، ومقاطعها الموسيقية، ومن حيث تفاصيلها التقنية التي أثارت الإعجاب. ومنذ اللحظة الأولى التي خضت فيها غمار تجربتها اكتشفت أنها ليست لعبة تسلية، بل رحلة مصممة بعناية لتأخذك عبر مراحلها المذهلة والمتنوعة إلى قمم الإبهاج والإسعاد، فرسومها وهويتها البصرية تأسر العين، وموسيقاها تطرب الأذن، وتفاصيلها التقنية تجعل منها أكثر من تحفة فنية خاصة على بلايستيشن 5، وقد نجح مطوروها في توظيف قدرات وحدة التحكم الخاصة بالبلايستيشن 5 بشكل مبتكر ومذهل، الأمر الذي عزز تجربة مستخدميها بشكلٍ لم يعهدوه من قبل في لعبة أخرى. وإذا سألتني عن الناحية التقنية سأجاوبك بأنها واحدة من أفضل الألعاب أداءً على منصة بلايستيشن 5، وذلك لأنها استفادت من قدرات المعالجة الرسومية العالية وميزة التحميل السريع التي باتت أحد أبرز مزايا هذا الجهاز، هذه التقنيات المدعمة بها جعلتها، إلى جانب سلاستها، تتخطى الأخطاء المعتادة التي قد تحدث في غيرها من الألعاب، سواءً من حيث تفاصيل الرسوم أو تعدد وتناسق العناصر المرئية المعروضة على الشاشة في نفس الوقت. ومن خلال تجربتي معها، يتجلى إدهاشها في أكثر من جانب بعيداً عن الرسوم والتقنية، وقريباً من المراحل التي تأخذك من خلالها حيث تجد نفسك في جزر استوائية نابضة بالحياة، وتارة وسط جبال مغطاة بالثلوج، ومستوحاة من الألعاب الشهيرة مثل «قاد أوف وور»، والمدهش أكثر أنها في كل مرحلة تمنحك قدرات جديدة تتناسب مع التحديات التي تواجهها، ففي إحدى المراحل كما أذكر تتحول الشخصية الرئيسة «آسترو بوت» إلى حجم مصغر يتيح لك الوصول إلى أماكن مخفية، وفي مرحلة أخرى تمنحك قدرة إبطاء الوقت لتجنب العقبات والمخاطر في اللحظات الحاسمة. ولا يمكنني أن أتحدث عنها دون إعطاء الجانب الموسيقي حقه كاملًا فلقد أضاف لها بعدًا آخر، حيث تتناغم وتتجانس الألحان مع مجريات اللعب، لتزيد من شعور اللاعب بالبهجة والانغماس في التفاصيل، وهذا الأمر سيجعل الأطفال بالذات أكثر حماسًا لخوض تجربتها الثرية بالأحداث، وهذه ميزة أيضًا فتصميمها مناسب لصغار السن وهو ما يجعلها لعبة عائلية بامتياز. وفي ظل ما تعانيه صناعة الألعاب من أجندات ونزاعات ثقافية متعددة؛ تبرز «آسترو بوت» لتعيد التذكير بأن الألعاب يمكن أن تكون وسيلة للمتعة الصرفة دون الحاجة لإثقالها برسائل خفية أو صراعات فكرية، إنها لعبة تركز على جوهر ما يبحث عنه اللاعبون: المرح والتسلية الخالصين. وما أود أن أشير إليه هو أن نجاحها يأتي بعد خيبة أمل أخرى لسوني والتي سببتها لعبتهم «كونكورد» والتي لم تستطع الصمود أمام المنافسين في ألعاب الأونلاين مثل «فورت نايت» لتقرر الشركة ايقافها بعد 11 يومًا فقط من إطلاقها، لكنها عادت مرة أخرى بهذه اللعبة المشوقة لتثبت لنا أن سر النجاح في الألعاب ليس في الحجم أو الضخامة، بل في قدرة اللعبة على منح اللاعب شعورًا فوريًا بالمتعة، وهو الهدف الأول الذي يسعى اللاعب لتحقيقه، هذه المتعة التي لطالما بحثت عنها منذ فترة في الألعاب، والتي وجدتها أخيرًا في «آسترو بوت». ولو سألتني عن سر هذا النجاح، سأجيبك ببساطة: إنها لعبة تصنع البهجة، وهي تمثل تعبيرًا خالصًا ومختصراً عما يجعل أي لعبة عظيمة: المتعة، ثم المتعة، ولا شيء غير المتعة!