إن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة يهوى أنفاس الطبيعة ويبحر من خلال أهداب الحياة ويتغنى من وراء ألوانها البديعة ويتأمل إلى مستقبله من خلال حاضره وماضيه إذ تعلمه مسارات الزمان وفق أبجديات المكان أن للسماء حكاية أخرى في شقفه وفي بصيرته على مداراتها الإهليجية ومنظومتها الساحرة. ومما لا شك فيه أن قوانين الكون مدعاةٌ لذلك المخلوق الذي بات شيئاً من هذا الكون وقوانينه الداعمة في حركة طبيعته الإنسانية. إنها رحلة الذات التي يبحثُ عنها كل إنسان يسأل عن قصته كيف جاء؟ ومن أين انبثق؟ ولماذا هو بالذات؟ وما المستقبل الذي ينتظره؟ إنها موسيقى كونية عصبت به منذُ فجر التكوين لا أقول قبل الخلق ولا بعده، وإنما هي مشاعرٌ اختلطت بالزمنكان وتولدت منها الطابع الأزلي الذي نبحثُ عن نشوئه وعن صيرورته. إنه العقل، أيها الإنسان من رآك تبحر في طرقه ومساراته الوعرة. تأمل في عقلك الكوني ستجد آمالًا كبيرة وخواطر يملؤها الخيال، في جوهرها ترَى أعماق الكون منذ لحظة ولادته الأولى حتى أنفاسه الأخيرة؛ زمن الاصطدام يوشك من بعده فجرٌ جديد لا يشبه أخاهُ القديم. هكذا تتوالد الأكوان بعضها وراء بعض وتموت كما تموت الأشجار. حين ينطق الطفل أول كلمةٍ لهُ؛ تنبثق صداها على مسامع والديه وكأن حروفها الثنائية المزدوجة أثيرٌ أو طيفٌ أمتشق دونَ تذكرةِ مرور؛ انتثرت عبر محيطٍ من الفيافي. الصوت له أعجوبة والكلمة أوقع على القلوب الدافئة، إنه القُرب الروحي الإنساني من هذا الكائن الصغير إلى أمهِ. إن أول وجود للإنسان هو روحه السامية المنبثقة من علياء الملكوت والمتحدة مع كيميائها المادي، نعم إن المادة والروح والنفس هما مزجٌ واحدٌ لا ينفصل إلا بحالة فراق الجسد عن النفس، وهذا لا يحدث إلا بصراع جدلي مستمر وفق ظروف جوهرية في الغالب لا نشعر بأعراضها إلا بعد أن تطفو على السطح في حياتنا النفسية، والنفس أقرب دومًا للشعور لأي حركة مضادة تهدد حياتنا. إن الروح سمو متصافٍ تنبثق منها الرحمة. فمناداة الطفل هي رسالة روحية تنبئك بوجود الرحمة والمحبةِ معًا في تكوينك الجسدي والنفسي منذ نشأتكَ الأولى. ودخول الشر في هذا المضمار هي جدلية هابطة، جل تفكيرها حول الإشباع المادي؛ لا الروحي، فلو كانت على الروح لوجدت الشقي أسعد الناس. لذا نجد المتواضع يعيش بسمو أخلاقه الروحية، وهذا يعني تفنيد نظرية الأرواح الشريرة. فالروح هي سمو وخير ومحبة وإخلاص، وأما الشر فبالطبع هو نتاج الغرائز المنفلتة الخارجة عن التفكير الروحاني والعقلاني.