عندما يتهيأ المجتمع للتطور والتقدم لا بد أن يراجع موروثه الثقافي القديم؛ ويستجد ما هو صالح منه، والذي يتواكب مع عقله الحاضر، وإن وجدت سلبيات عليه دراستها ونقدها؛ لأن لكل زمان أشياءه المادية وخصوصياته المتعلقة به ذاتيًا. فمجتمعاتنا المحلية؛ أعلنت النهوض لتواكب الحضارات الحالية وتحاول التقدم بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة للقفز نحو الصفوف الأمامية، وهذا يعد بحد ذاته جهداً جباراً، ولكي تسهل عليها المهمة؛ عليها تحطيم الأسوار السلبية التي تعرقل عملية التقدم وتشل حركة الفكر، فلولا المعرفة والخيال لما تمكنت الحضارات من تقدمها وازدهارها من جميع أصعدتها الثقافية والمادية.. وإلخ من متطلبات ازدهار الإنسان كإنسان له خصوصيته العقلية والفكرية. إن تكريس الخيال ضرورة مُلحة لكل فرد أن يطلق عنانه فهو الأساس لسهولة حل جميع المعارف بل تزيد من قدرات الإنسان الاستيعابية وبناء الابتكارات وجمع الاكتشافات كقول أنشتاين (الخيال أهم من المعرفة)، ولعل الابتداء بالمعرفة يتوسع نمط الخيال. فصاحب الخيال لا حدود له ولا يمكن أن ينطلق وأمامه معوقات، فيجب أن يخرج عن الواقع ليّكون فرضيات جديدة قادرة على تحويلها إلى نظرية علمية أو فلسفية. فالرافضون لحركة التجديد مسكونون بالموروث القديم بشكل مطلق وهم بحاجة لفجوة صغيرة حتى يبدؤوا تدريجيًا استيعاب الجديد. ويجب ألا نمكث طويلًا في ابتكارنا أو أفكارنا الحالية فالأمر يحتاج إلى تجديد مستمر وفق ديناميكية متحركة بما يتناسب مع زمانها ومكانها، فالأصل على حسب احتياج غالبية المجتمع وأن يصب في مصلحته الذاتية، وأن لا تكون هناك سلبيات تؤثر على الأخلاق. فالحفاظ على الأخلاق المعتدلة ضرورة ملحة في كل ابتكار جديد، وعلى الرغم من ذلك إن الأخلاق حالها حال أي ظاهرة، فهي متغيرة، وذلك حسب أنماط المجتمع في تغيير سلوكه من جيل إلى جيل آخر. ولكن تبقى الأصول وتتغير الفروع، والأصل لا يتغير إلا وفق حالات نادرة كاستعمار ثقافي مثلًا يتجذر ويتغلغل داخل المجتمع بشكلٍ كُلي، أو وهو الشائع تدريجياً عبر أزمانٍ طويلة. فثقافة التغيير مطلوبة وهي أهم من نشر الثقافات الجديدة، لكي لا تكون صدمة ثقافية أو حضارية تؤثر على المجتمعات المحلية سلبًا.