كان صوت حوافره يدعك رمل "بلاد" جدي، ووالدي وعمومتي يُمسكون أو يحاولون الإمساك بأقدامه. وهو يجاهد للهرب من لمعة سكينة جدي وهو يمسك بها بيمينه، ويده اليسرى تُحكم قبضتها على قرنه. والعم سعيد يمسك بقرنه الأخرى، هالني المشهد، هو ينتفض وهم معه في حرب وطيس ويأبى أن يستسلم لذبح. يصرخ جدي في والدي وهو كما أفعى تفح ولعابه يتطاير: (قلت لك هذا "قحم" وعنيد بيتعبنا كان جبت التالي). في خضم ذلك أنا أراقب الثور (يفّتك) قدمه وينطح جدي هاربًا. ولكن الحبل يلفح به أرضًا ويتواصل العراك بينهم. حضر والد العروس قاذفًا بشماغه وجدي ينهره: (لا تتوسخ ثيابك). (ما عليك جاك عمها وبيحلها). يُمسك به بعد أن شمر ساعديه عن يدين غليظتين، مليئةً بالتجارب السابقة في ذبح الثيران. توسطهم وأحكم تثبيته. (الله أكبر). نافورة "فيمتو" تنضح وأقدامه ترثع في الهواء. يغزو الدم فلوج الأرض ويسكن جسده. :(يا سيراج تعال ساعدنا). ويتعاون الجمع في رفع أقدامه وتعليقه في منشب الذبح، والدي يتولى سلخه، ويتبادر لذهني هل كان والدي يعني هذا حين وبخني على نومي عن صلاة الفجر. (والله لأسلخ جلدك لو رجعت نمت). ارتجفت وأنا أراقب الثور يستحيل لكتل دهنية منفصلة والسكاكين تتولى فرم أجزائه. لم أكن أعلم أن الثور يمتلك قفصا صدريا وضلوعا وهي ضخمة جدًا. صوت (تستست) قطع الشحم في القدر، وما يقال إنها كانت كبدة تدور مخلفة سحابة تجعل بطني تُصدر نداء يُشبه حشجرة ثور جدي في ندائه الأخير. ولكني أبكي وأنذر على نفسي أني لن أُشارك في ملاحم التعذيب التي كانت خفية عني حتى اليوم، ولأني ابن أخت العروس ويسعني أن أفعل ما أشاء فأنا أُشارك في قلب المعركة. (جيب خيشة الرز يا علي). (حاضر يا جد). رفعت ثوبي ووضعت بشتي وخنجري على (البعيثران). (يا جد وين احطها؟). (فك خربت الكيس وجيبها). تلفت أبحث عن سكين فلم أجد سوى أداة الجريمة. التفت جدي وفهم: (يا علي خلك رجال وعجل). انتفضت حين سمعت جدي كأن كلمته مستني بعارض، أمسكت بها وشققت الكيس مناولًا جدي وعمي الرز. حين اقتربت راعتني رائحة كريهة تصدر من حفنة جمر استحال حمرةً، ورأس الثور يقرقع، ولسانه يتدلى. كأنما هو يشعر بما يحدث. -إذن هكذا تتم عملية (شلوطة الرأس). والدي ينادي: (يا علي تبغى تذوق الكبدة أنت تحبها). (لا ما ابغى آكل كبدة خلاص). حفلة قدور تقام. أحدها ينوء بالرز والملاس في يد سراج يقلب أرجاءه وجدي يكرر على مسامعه: (انتبه للرز لا ينحرق ونفتضح مع الرياجيل). (حاضر بابا مافي كوف). عمي يتفقد اللحم في أحد القدور ويده تلمع كما يدي جدتي حين تفرق عِضابها وتدهنه بزيت النارجين. يضغط القطعة بين أصابعه ليتأكد من نضوجها ومن بين براجمه يعتصر المرق والدهن ويسيل. يضعها في فمه ويلوكها والجميع يراقب عيناه كأنهم في انتظار نتيجة امتحان. (الله يا زين لحمته يدك مباركة يا يبه). (استوى؟) (ايوه ايوه). (قربوا الصحون الرز بعد شكله رشق، خلونا نغرفه حده حار). (يا علي علم الحريم يجهزون السفر ويسوون طريق عشان صحونهم). (طيب يا جد). وحين عدت وجد أكوام الرز تحتل التباسي. وجدي يمسك بالملاس ويوزعها حسب عِرفه. (خل هذا الصحن لضلوع وحط معاه الكبده وشويه من الكتف لحمته لينه، ولا تضيعه يا سراج اعزله بنحطه في صدر المجلس). قطع اللحم تتوزع والمرق يتقاطر كأنما هو طوفان يندلق في كل الأرجاء. الكبد والكلاوي والكرشة كلها تمر من أمامي وأنا أتذكر أقدام الثور المسكين وبطني يقيم احتجاج على الروائح المنبعثة من الولائم وقلبي يعتصر على الضحية وهو يستقر فوق كومة اللحم ولسانه يتدلى. تتناقص الصحون وأنا أُراقب الكبدة وهي تتناثر بيد والدي لتكون قسمتها عادلة. (علي هاك) فتحت فمي ومضغتها. (العشاء طاح حياكم الله).