لا تزال خطورة السلاح النووي قائمة ومقلقة، إذ يشكل خطراً كبيراً على مستقبل الإنسان والمجتمع الدولى كله، ويهدد مستقبل الأرض التي نعيش عليها، فالمخزون النووي تزداد ترسانته يوماً بعد يوم، واستخدامه المتهور في الحروب بين القوى الكبرى قد يعرض مئات الملايين للموت. الحروب هي الداء الذى يؤلم البشرية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، إذ تعطل سير الحياة نحو التقدم والازدهار بما تخلف وراءها من القتلى، والجرحى والمشردين، والدواء هو السلام الذى يؤلف بين الدول، ويصنع الحوار، والتعايش، والتعاون، ويوفر بيئة آمنة، فالسلام خيار حضارى لحل المعضلات السياسية الكبرى وهو أفضل بكثير من ضغطة زر نووية متهورة قد تهلك مئات الملايين من البشر. الأخطر في هذا التطور النووي المعاصر يتمثل في أن تسع دول تمتلك أكثر من اثنتى عشر ألف رأس نووية، وتستضيف ست دول أخرى بعض هذه الرؤوس التي تعد أقوى بمرات عدة من تلك التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكى ولنا أن نتصور أن سلاحاً نووياً فقط يستطيع إفناء نحو ست مئة ألف شخص في مدينة مثل نيويورك وفي خلال دقائق معدودة. فاشتعال شرارة حرب عالمية ثالثة ليس بالأمر الهين لأن هذا الاشتعال تصحبه صراعات، ونزاعات بين الدول ومشكلات لا حدود لها، وسيحرك كثيراً من القوى الدولية الكبرى لتنتقل إلى وضعية الحرب الكاملة لمواجهة صراع نووي مدمر، بما يجعل هذه الحرب معقدة وشاملة التدمير، أما من ينجو من الفناء بسبب هذا الاشتعال فسيتضور جوعاً على أرض مسمومة لتوقف الغذاء عن النمو، وتعطل حركة الإنتاج. اقتراب المخاطر النووية لم يعد يشك فيه أحد، وهو اقتراب يرهب الإنسان في كل مكان، وبمناسبة اليوم العالمى لمناهضة التجارب النووية، فالعالم الآن في أشد أوقاته حاجة إلى السلام، والتعايش، والنوايا الطيبة ومد جسور التعاون، والحوار، بدلاً من التناحرات، والتحالفات التدميرية وإلا فستتطور التداعيات الدولية لحروب تحصد الأخضر واليابس ومواجهات نووية لا طاقات للبشر بها وحروب معقدة، وتهافت لاحدود له على إنتاج القنابل النووية المدمرة بما يسد كل آفاق التفاهم، والسلام الدولى، ويقود عالمنا نحو الهاوية. هذا اليوم العالمى الذى تم تخصيصه لمكافحة التجارب النووية في 29 آب/ أغسطس هو رسالة قوية للكيانات الدولية الكبرى كي تتراجع، وتتحلى بالحكمة في أخطر الفترات اضطراباً وقلقا فى العالم. يحتاج العالم في حاضره ومستقبله إلى مزيد من ثقافة الأمن النووي التي توفر للإنسان تعليماً ناجحاً، وصحة سليمة، وتنمية اقتصادية شاملة، وبمراجعة ما قاله إيجور كورتشاتوف (الأب الروحى ومخترع القنبلة الذرية): (لقد كان شيئاً رهيباً.. إنه مشهد وحشى يجب ألا نسمح باستخدام هذا السلاح) فإن الأمر يتطلب إحياء العلاقات التاريخية السلمية بين الدول، وتنمية مساراتها في الحاضر والمستقبل لتفادى أصعب الخسائر المحتملة، ولكى تقوى الدول اقتصاداتها في أجواء بعيدة عن الصراعات والنزعات المدمرة. ولا شك بأن بناء عالم العلاقات الواسع، والحوار الدولى سيساعد في نشر السلام العالمى ويعزز دور الاتجاهات النشطة ضد اتساع التجارب النووية، آن للدبلوماسية أن تتحرك بطرق عملية في كافة مواقعها السياسية، والثقافية، والإعلامية والاقتصادية فلا تقف مسلوبة الإرادة أو عاجزة أمام صعود النزاعات الدولية وتطورها، عليها أن تبنى جسوراً جديدة من التفاهمات الدولية التي تزرع الإخاء الإنسانى بكل أشكاله العميقة، والقوية، والطموحة، وتسد مواطن الخلل في النظام الدولي المعاصر كى تحرك بعاطفة إيجابية نحو الإنسان، واستقراره. إن الدبلوماسية الواعية هي صمام الأمان الذى يستطيع أن يعيد لكل الأطراف المتحاربة عقلها وصوابها. إذا لابد من تغليب صوت السلام العاقل على التفكير فى تهييج كبرياء وغطرسة الأسلحة النووية. لابد من إثارة التفاهمات السياسية والتنموية كي تقود العالم نحو تعاون مثمر، فالسلاح النووي لن يمنح من يملكه الهيمنة المطلقة أو سرقة المستقبل، ومن يفكر في جر العالم لحرب عالمية ثالثة فسيطرق الفناء باب داره أولاً قبل أن ينتهى العالم على يديه.